مركبات تعمل بالوقود، طُرق مرصوفة بالإسفلت، إشارات مرور ضوئية... إنها عناصر التنقل في الحياة الحديثة. مواصلات خاصة وعامة، تصنيع، موديلات، أشكال وألوان، اختصار الوقت، ومواجهة عوامل البيئة، محرِّكات قوية، وحوادث وكوارث وضحايا.

منذ الظهور الأول للسيارات والبشر في تسابق على امتلاكها، ومنذ الجيل الأول والحوادث تقع إلى بلوغنا هذا التطور في أنظمة القيادة والأمان، وفرض القوانين والعقوبات، والتوجيهات والنصائح... والقصص المؤلمة.

أتساءل باستمرار: لِمَ هذه الفوضى والاستهتار؟ الالتزام بالسرعة يبدو أمراً وهمياً، رغم وجود لوحات واضحة، وكل قائد يعلم معناها، إلا أن الاندفاع هو الأسلوب المتبع.

Ad

الجميع مستعجل، ويتهاون بشدة في ترويع الناس. لكل اتجاه التفاف في ناحية، البعض ينعطف بالاتجاه المعاكس تكاسلاً وطيشاً. حتى في الأحياء السكنية، ومواقف السيارات، وقُرب الخدمات، حيث يلزم تخفيف السرعة والانتباه والتأني، لا تجد الحرص ولا المراعاة، وهنا تقع حوادث مميتة، تُزهق الأرواح، وتُتلف الممتلكات، بسبب رعونة حمقاء لم يكن ليكلفها الانضباط شيئاً.

السيارات الصغيرة- سيارات الأجرة- الدراجات النارية... لا تُحتسب، وتُعامل على أنها مجبورة على التنحي أو يتم تهديدها! وتأتي بعض الإعلانات لوكالات السيارات الكبيرة لتعزز خرافة أن للسيارة الكبيرة السطوة والهيبة وملكية الطريق! هذه الإعلانات تهدم المسؤولية الاجتماعية، وتطبيقها بطريقةٍ منحرفة يتطلَّب المراجعة والرقابة. ثم ما حكاية المركبات البرية في المناطق السكنية؟ تلك التي تم منعها حتى في المخيمات حرصاً على السلامة. وفعاليات منفلتة هوجاء لسيارات مختلفة تقتحم المناطق، وتزاحم الأهالي بلا معنى، وتزعج الجميع وتتجاوز. والأدهى أن يتم التبرير لذلك بعدم توافر حلبات.

أصبحت الشوارع اليوم عرضاً مرعباً لكل أشكال الحوادث (حوادث المركبات، الدهس...)، والأسباب تافهة جداً.

في يونيو 2017 نشرت جريدة الأنباء الكويتية مقالاً للعم الراحل د. صالح العجيري، يرحمه الله، بعنوان «الحوادث المرورية كلها متعمدة». الطرح كان واقعياً مختصراً بأسلوبه الخفيف الشيِّق، ضمَّن أمثلة بسيطة من وقت حوادثه بسيطة، وكانت الأسباب مباشرة. أما الآن، فقد استجد الوضع، لتُصبح الأسباب غريبة، وتنم عن وقاحة، منها العناد في عدم إفساح الطريق لمن يرغب بالالتفاف، أو إضاءة المصابيح العالية، والإلحاح للتجاوز، أو الهرج والتسكُّع، أو الاستعراض حتى وقت الأمطار.

إن القيادة أدب وذوق، والشوارع، بما فيها من مركبات، تمثل مجتمعاً بشرياً يتعايش ويتفاعل. احترام القوانين والانضباط أمر يعكس التحضُّر والوعي، فالإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين، والتعاون، والتريث، ووضع الاعتبار للقيم الاجتماعية... كلها مبادئ نحن بأمسِّ الحاجة لها.