تُعد حوكمة الشركة ركناً أساسياً لاستدامة الأعمال وتعزيز الثقة بين المستثمرين وضمان سلامة الإدارة، وهو نظام من القواعد والممارسات التي توازن بين مصالح إدارة الشركة والمساهمين فيها وأصحاب المصالح الأخرى المرتبطة بها.ولكن على الرغم من أن المشرّع الكويتي أورد نصوصا عديدة في شأن الحوكمة وتنظيمها للرقابة على أعمال الإدارة، فإن الرقابة الفعلية قد تغيب، مما يفتح الباب أمام الأخطاء الجسيمة وتضارب المصالح وخسارة أموال المساهمين ما لم تطبّق أحكام الحوكمة والرقابة الفعلية، وهو ما يمكن تسميته بالحوكمة الورقية كتشكيل اللجان الرقابية في الشركة ووضع اللوائح الداخلية وسياسات مكتوبة واجتماعات دورية شكلية، لكن دون فعالية حقيقية في الرقابة أو المتابعة أو تقييم المخاطر، وقد وصفت محكمة التمييز في حكم لها أنه «تنظيم شكلي يخفي تحته تعطلاً كاملاً للرقابة الداخلية».

إن الإطار القانوني للحوكمة في التشريع الكويتي مبيّن في قانون الشركات وقواعد الحوكمة الصادرة عن هيئة أسواق المال، حيث قررت المادة 186 من قانون الشركات أن الجهات الرقابية المعنية تضع قواعد حوكمة الشركات الخاضعة لرقابتها بما يحقق أفضل حماية وتوازن بين مصالح إدارة الشركة والمساهمين فيها وأصحاب المصالح الأخرى المرتبطة فيها، كما تبيّن الشروط الواجب توافرها في أعضاء مجلس الإدارة المستقلين، إذ أجازت المادة 187 من القانون ذاته للجهات الرقابية أن تلزم الشركات الخاضعة لرقابتها بأن يكون من بين أعضاء مجلس الإدارة عضو أو أكثر من الأعضاء المستقلين من ذوي الخبرة والكفاءة، كما جاء في المادة 193 وما بعدها الشروط الواجب توافرها فيمن يترشح لعضوية مجلس الإدارة، وأنه لا يجوز للشخص ولو كان ممثلاً لشخص طبيعي أو اعتباري أن يكون عضوا في مجلس إدارة أكثر من 5 شركات عامة في الكويت، ولا أن يكون رئيسا لمجلس الإدارة في أكثر من شركة مساهمة واحدة مركزها الكويت، ولا أن يجمع بين عضوية مجلس إدارة شركتين متنافستين، وذلك تجنباً لتضارب المصالح، ولا يجوز لرئيس أو عضو مجلس الإدارة أن يستغل المعلومات التي وصلت إليه بحكم منصبه في الحصول على فائدة لنفسه أو لغيره، ولا يجوز له التصرف في أسهم الشركة التي هو عضو في مجلس إدارتها، ولا يشترك في أي عمل من شأنه منافسة الشركة، ويتبين من كل هذه الأحكام والنصوص الواردة في قانون الشركات حرص المشرع فرض نظام الحوكمة، إضافة إلى ما جاء في قواعد الحوكمة الصادرة من هيئة أسواق المال وجوب الالتزام بأعلى معايير الحوكمة أمر أساسي لضمان تنفيذ الأعمال بنزاهة وشفافية لحماية مصالح المساهمين والأطراف ذات الصلة.

ومن قواعد الحوكمة الصادرة من هيئة أسواق المال اختيار أشخاص ذوي الكفاءة لعضوية مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية، ووضع نظام نزاهة للتقارير المالية والإفصاح والشفافية بشكل دقيق في الوقت المناسب، فإذا لم تطبّق كل ما سبق من أحكام ونصوص بشكل دقيق وفعال، فإن الحوكمة تكون صورية، الأمر الذي يفتح الباب أمام الأخطاء الجسيمة وتضارب المصالح وسوء الإدارة وخسارة أموال المساهمين وفقدان ثقة المستثمرين، وقد يصل بالشركة إلى مراحل الشطب من البورصة والخسارة والانهيار، إذ ثبت أن أغلب الشركات التي شطبت كانت تعاني ضعفاً في الرقابة الداخلية.

Ad

ولقد أكدت عدة أحكام قضائية عن مسؤولية سوء الحوكمة، فجاء في حكم لمحكمة التمييز «لا تنتفي مسؤولية عضو مجلس الإدارة لمجرد وجود لجان داخلية، ما لم يثبت قيام تلك اللجان بعمل رقابي»، وفي حكم آخر «مجلس الإدارة مسؤول عن مراقبة الإدارة التنفيذية، وإذا ثبت أن الرقابة شكلية أو ومنعدمة قامت المسؤولية المدنية»، وفي حكم ثالث «عدم الإفصاح عن المصلحة يُعد خطأ جسيماً يوجب المسؤولية».

وهذه السوابق القضائية تظهر أن القضاء الكويتي لا يعترف بالحوكمة غير الفعالة والصحيحة، بل يرتّب مسؤولية قانونية.