من مُضحكات ومُبكيات القدر أن يهدر الإنسان الكثير من وقته في متابعة آخر صيحات الموضة في عالم اليوم، لكن المُثير للشفقة جداً أن أحدثها يحدث في اليمن، هذا البلد المكلوم منذ سنوات، والموجوع منذ أزمان، كيف لا؟! فاليمن الذي يُعايش النقيضين، ما بين السِّلم والحرب، وما بين الجوع والخوف، وما بين الوجع والأنين، لكنه كان بلد الموضة الأحدث والأغرب والأعجب، كيف لا؟! 

ها نحن اليوم نكتشف موضةً جديدةً، متمثلةً في خدمة «القات الديليفري– Qat Delivery»، هذه الموضة التي اتخذت أشكالاً وتصاميم عصرية وحديثة... لا بل أصبح لها عناوين معروفة ومنتشرة، ليس على أرض الواقع فحسب، بل على الفضاء الإلكتروني، كمنصات التواصل الاجتماعي. فكل يومٍ إعلان، وكل وقتٍ صورة حديثة أو مقطع فيديو موشن غرافيك، أو غيرها، وتهدف بالأساس إلى توصيل القات إلى المنازل أو أماكن العمل، وهي موضة حديثة ظهرت نسبياً وانتشرت بشكلٍ خاص في المُدن اليمنية، بدأت فكرتها مع استمرار الحرب الأهلية، وما تحمله من مخاطر عند الذهاب إلى الأسواق في المدن التي تعيش قتالاً يومياً، ثم تطوَّرت مع جائحة كورونا، لتُصبح الآن موضةً وتمايزاً وتفاخراً اجتماعياً.

وما يعرفه الكثيرون أن القات يحتلُّ رمزيةً في الحياة الاقتصادية والاجتماعية باليمن، حيث يُزرع ويُباع بحُريةٍ تامَّةٍ تقريباً فيه وإثيوبيا وكينيا وبعض دول القرن الإفريقي، كما يتواجد في أواسط قارة آسيا، لكن موضوع «توصيل القات ديليفري» يعدُّ سمةً وموضةً يمنيةً لا مثيل لها على الإطلاق، ففي ظل حربه طويلة الأمد ازدهرت زراعة وتجارة القات، وبما أن المعروض يحتاج إلى طُرق تسويقٍ مبتكرة، وليس البقاء، كما كان من سنوات وعقود زمنية خلت، ونظراً للطَّفرة التكنولوجية التي أنتجت العديد من منصات التواصل الاجتماعي، والتطبيقات الخدمية المُخصَّصة لتوصيل المشتريات الإلكترونية، كالملابس والأكل وغيرها، فقد برز إلى الأفق استخدام كل العناصر في التسويق والترويج لهذه السِّلعة في المقام الأول، ومن ثم في عملية التوصيل إلى المنازل في المقام الثاني، باعتبارها خدمة إلكترونية حققت نشاطاً ورواجاً غير مسبوقين، وأصبحت لها العديد من العلامات التجارية والماركات الجديدة المتخصصة بالقات، وتوزيعه بأسماءٍ جذابة وقوالب عصرية، ك «قاتمان»- على اسم المسلسل الكرتوني باتمان، و«قاتي شان»– على اسم الممثل الهندي المعروف أميتاب باتشان، و«قات وِلْعَات»، و«شُوْن قات»، و«قيتان مَخْمَخَة»، و«مَلِكَ الوِلْعَة»، و«عُودي قات»، و«أغصان السَّعادة»، و«عَال العَال»... إلخ. وهذه الماركات لم تقف عند حدود التسويق فقط، بل أصبحت تدخل في المزادات المفتوحة على شبكة الإنترنت، وتروَّج عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فنجد العشرات من الصفحات في «فيسبوك»، ومنصة X، وتطبيقَي الواتساب والتليغرام، وتنشر المئات من مقاطع الفيديو في «يوتيوب»، و«إنستغرام»، و«تيك توك»... إلخ، لتتوَّج أيضاً بظهور التطبيقات والمتاجر الإلكترونية التي توفر هذه السِّلعة، وتوفر فرصاً وخيارات عديدة، كتحديد نوعية المعروض، والقُدرة على الوصول، وتقديم خدمات «الحجز المُسبق»، و«التوصيل مساءً»، وبالتالي ما على المستفيد إلا عمل الطَّلبية من المنزل دونما مجهودٍ يُذكر، وبالطَّبع لكل شيءٍ حقَّه وثمنه.

Ad

وفي الأخير، تُعد هذه الخدمة جزءاً من تطوُّر التجارة الإلكترونية وخدمات التوصيل التي غزت العديد من القطاعات حول العالم، ووصلت الآن إلى تجارة القات في اليمن. 

وبشكلٍ عام، تعكس خدمة «قات ديليفري» كيف تتكيَّف التجارة التقليدية مع التكنولوجيا الحديثة واحتياجات المستهلكين المتغيرة.

*صحافي يمني