ربنا إنا استودعناك حلماً لم يكتمل، حبيباً نحسبه على الكل عزيزاً كريماً بخصاله منفرداً، إنه توأم روحي، العميد وليد حمدي بليغ، صاحب الباب المفتوح، ملجأنا بعدك اللهم في الخَطب والكرب، وجهه المبتسم فاضح رضاه بقضائك وتسليمه لقدرك، أخلاقه بالمكارم فاضت وأغرقت، أفعاله ملأت خزائن مَن عرف ومَن لم يعرف، وأعماله وصلت إلى منتهى النظر، غمر القريب والغريب من سماحته، وعن عظيم سجاياه نسمع ونتعلم ولسيرته سنقتفي الأثر.
إنه يا ربي العميد الخلوق المؤدب المهذّب وليد، أبداً لم يغدر أو يحقد ولم يضمر الشر لأحد، عفيف اللسان سريع البديهة، صادقة حواسّه، حلوة شمائله حتى أضحت عندنا مضرب المثل، يا ربي نشهد ويشهد غيرنا أن الوليد الودود طيّب السريرة واصلٌ لأهله وصحبه وكل من حوله حتى من قاطَعه، وهو العافي عمّن تهجم وظَلم، والمعطي قبل المسألة والساعي في قضاء الحوائج بلا كلل.
أيا حلماً جميلاً أصابته عينٌ لم تصلّ وتسلم على سيد الخلق كلهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم... ما أفظع وحدتنا حين لا نسمع غير صمتك، وما أضيق الدنيا علينا وأنت كنت سعتها، وما أثقل الأرض وأنت ستظل أنسها وضياءها.
يا شقيق الروح، كنت عوناً لمن ضعُف وسنداً لمن انكسر، وسراجاً إن أظلمت الطرق. ما رأيتك في الشدة يوماً إلا صلباً لا تغلب، وفي الفرح مقداماً مبادراً مهنئاً، وللدعوة ملبياً، وللنصيحة صادقاً، وللحاجة ساعياً وللمساعدة أبداً لا تدّخر جهداً. رحلتَ يا أبا يوسف وياسين وتركتنا بين جراح لا تُرى، ودموع تكابر حتى لا تُغلب، وحنين يطعن القلب كلما اشتدت لك أشواقه.
يا أخي... كنتَ قطعةً من أرواحنا وسرّاً وملاذاً وكنفاً إن مالت الأيام علينا، وركناً إن تدافع العدا نحونا، فإن غِبت غاب عن دنيانا أمانها.
يا وليد... كنتَ للقلب سعادته وللحياة معناها، فما عرفناك إلّا وفيك من الحلم أهنأه ومن العقل أرشده ومن الوفاء أصفاه ومن الرفقة أطيبها. فسلام عليك يا مَن ترك فراغاً لا يملؤه أحد ولا يطويه زمن حتى نلتقي عند باب لا فراق بعده ولا دمع عنده ولا ألم.
سلامٌ عليك من أحباب تضطرب أجسادهم لفراقك، وما هدأ لهم بال منذ عاجلك الأجل، يا شقيقي ما ظننت أن يدي ستخط يوماً رسالة لك لا تُسلّم، وأن قلبي سيحدثك وهو يعلم أن الطرق بيننا قد انقطعت إلا بدمعة مع دعوة أسال الله أن يجيبها.
أعاهدك يا رفيق العمر، أنّي لا أراك غائباً، فأنت بالروح ساكن وفي الفؤاد مقيم، حاضر معي بالحرف والكلمة، ذاكر لكل بسمة تقاسمناها وفي كل همسة لم يسمعها غيرنا. أعلم أن الموت حقّ، لكن الوداع موجع ولهيب الفراق حارق، وعزاؤنا الآن أنك أكملت الرسالة وأدّيت الأمانة، واسترحت من الهم والكدّ والتعب.