أعادت الحكومة رسم معركتها مع آفة المخدرات بقانون جديد يتجاوز 80 مادة. القانون لا يكتفي بالمنع والعقاب، بل ينشئ مراكز للتأهيل والعلاج، ويلزم الشركات بسجلات إلكترونية دقيقة تمنح الدولة دراية أوسع بحركة الدواء. قانون المخدرات الجديد هو محاولة جادة لإغلاق الثغرات القديمة التي نفذت منها عصابات الترويج وتجار الليل لسنوات.
ومن يقرأ القانون يجد فيه جوانب تستحق الثناء، فالمدمن الذي يطرق باب العلاج طوعاً لا يُلاحق قانونياً (مادة 61)، والمحكمة تستطيع استبدال العقوبة بالإيداع العلاجي لمدة تصل إلى عام (مادة 64)، فالقانون هنا يفتح باباً للعودة، ولا يكتفي بأن يصفع من سقط.
لكن حين نصل إلى فصل العقوبات - ولشخص لا يحبذ عقوبة الإعدام بالمجمل - يبدو الأمر كوقع مطرقة ثقيلة، فالإعدام أو المؤبد يطلان سريعاً في جرائم الجلب والاتجار (مواد 42 - 45)، وهذا قد يكون مبرراً لحماية المجتمع من تجار السموم، لكنّي وجدت مبالغة واضحة في العقوبات على الحيازة والتعاطي، والتي قد تصل إلى عشر سنوات! لا أحد يعترض على سحق التجار والمروجين، لكن لا يجب المساواة بالتشدد في العقوبة على من يتاجر ويفسد، ومن جرّه فضول أو ضغط نفسي إلى تجربة خاطئة فردية.
كما لاحظت عدم وجود تصنيف واضح لأنواع المخدرات، فهل يُعقل أن نقف على المسافة نفسها من «مدمن» مخدرات كيميائية مصنعة مثل الشبو والهيروين، و«متعاط» جرّب سيجارة ماريغوانا في جلسة حماقة؟!
وأنا لا أدعو إلى الانفلات أو تقنين المخدرات، كما فعلت دول متقدمة كثيرة، فلهذه التجارب سياقاتها وظروفها الخاصة، لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أن الكويت بلد شاب، 70 في المئة من سكانه تحت سن الثلاثين، لا يحتاج هؤلاء الشباب إلى سوابق جنائية تُغلق أبواب الوظيفة والزواج والحياة بسبب نزوة عابرة.
القانون الذي نطمح له إصلاحي بكل جوانبه، ليس بقانون زجري ينتقم من فئة قد تخونها أفعالها. قانون يطارد التجار والمروجين بصرامة، ويُحذر المتعاطي ويُعالج المدمن، لا أن يدفنه حياًّ، فالهدف النهائي ليس العقاب بقدر ما هو حماية المجتمع والشباب، لذلك أتمنى من المعنيين مراجعة بعض المواد لإعادة النظر في التدرّج بالعقوبات والتصنيف، فالردع مهم، لكن العدالة والأمان المجتمعي أهم، والفرق بين مكافحة الخطر وصناعة الخوف كلمة واحدة في نص قانون.