تتواصل عروض مهرجان الكويت المسرحي في دورته الخامسة والعشرين، حيث قدمت مسرحية «ما ليس لي» لفرقة مسرح الخليج العربي على خشبة مسرح الدسمة، وسط حضور لافت من النقاد والمسرحيين والجمهور المتابع للفنون الأدائية، والمسرحية من إخراج وتأليف علي بولند، الذي قدم تجربة تنطلق من مرتكز فلسفي عميق، يقوم على فكرة «الصوت الذي لا يسمع، لكنه أعلى من كل الأصوات»؛ ذلك الهمس الداخلي الخافت الذي يتحول إلى قوة قادرة على دفع الإنسان نحو الخطيئة.من هذا المنطلق بنى العرض رؤيته، محولاً موضوع الخيانة الزوجية إلى قراءة نفسية دقيقة تظهر كيف تكبر الهمسة في الداخل حتى تصبح فعلاً، وكيف يقود الظن صاحبه إلى الرحيل عن ذاته قبل أن يرحل عن منزله وزوجته. جسد مصعب السالم دور الزوج بأسلوب يبرز تقلبات هذا الصوت الداخلي؛ فهو لا يخون بدافع الشهوة وحدها، بل خضوعاً لذلك النداء الذي يرضي غروره تارة، ويصنع له الوهم تارة أخرى، فيتأرجح بين صوت الضمير وصوت الظنون قبل أن يسقط في فوضى اختياره.في المقابل، قدمت فاطمة أسد صورة المرأة الصامتة المنكسرة أمام خذلان الحب، فعبرت ملامحها الهادئة وصدمة اكتشاف الحقيقة عن توازن إنساني يقف في مواجهة الشكوك، أما سارة رشاد، في دور العشيقة، فكانت الوجه الآخر للفراغ الداخلي، امرأة انجرفت بدورها خلف ذلك الصوت الخافت الذي يلاعب العاطفة ويدفعها إلى علاقة غير مكتملة، تبحث فيها عن تعويض لفقدان زوجها الراحل وما خلّفه غيابه من هشاشة عاطفية.إيقاع هادئحافظت الرؤية الإخراجية لعلي بولند على هذا البناء الدرامي، مستندة إلى إيقاع هادئ يبقي المتفرجين في حالة إصغاء دائم، مع إبراز اللحظات المفصلية التي تؤكد أن الخيانة تبدأ فكرةً لا فعلاً، وجاء الديكور الذي صممه حسين بهبهاني متناغماً مع الرؤية، وفي جانب الأزياء، قدم يوسف أشكناني تصميمات واقعية.وأسهمت موسيقى آلاء المقصيد في تجسيد «الصوت الداخلي» عبر مقاطع تتصاعد تدريجيا كهاجس يكبر حتى يتحول إلى فعل، بينما أضافت مؤثرات عباس الأستاذ طبقات صوتية عمقت التوتر الإنساني، ورسمت إضاءة محمد الشطي عوالم الشخصيات بالظلال والتباين بين الضوء والعتمة، ليأتي مكياج استقلال مال الله مكملاً لعناصر نجاح هذا العرض.الندوة التعقيبيةمن جانب آخر، شهدت قاعة الندوات في مسرح الدسمة انعقاد الندوة التعقيبية الأخيرة لمهرجان الكويت المسرحي بدورته الخامسة والعشرين، بحضور جمعٍ من المهتمين بالمشهد المسرحي، وتناولت الندوة مسرحية «ما ليس لي» لفرقة مسرح الخليج العربي، وشارك فيها د. مشهور مصطفى ود. أياد حامد هويدي، فيما أدارت الجلسة الإعلامية نيفين أبولافي.في البداية، قال د. مشهور: «هذا العرض مثير جداً للفضول والتساؤل، سينوغرافيا خفيفة قوية ومعبرة، وانسيابية»، مضيفا: «عرض أنيق، وجميل، وكان هناك اتساق حركي، السينوغرافيا في حركتها، والانسيابية كانت تخلق الفضاءات وتجعل الممثل جاهزا لأداء الدور التالي أو الصيغة التالية، وهذه مسألة تحسب بالسينوغرافيا، وأهنئ الذين اشتغلوا على السينوغرافيا، وهذا الإخراج ذكي أيضا». أما د. هويدي فقدم ورقة نقدية عن المسرحية ليقول: «تأتي مسرحية ما ليس لي ضمن الأعمال التي تمثل توجها واضحا نحو الدراما الخفيفة ذات الطابع الكوميدي الاجتماعي، وهي مسرحية تعول على اللعب بالحوارات، والمفارقة، والاشتباك بين اليومي والعاطفي بوصفها أدوات لتكوين فرجة سريعة الإيقاع وسهلة التلقي. في زمن تزداد به الحاجة إلى أعمال تمنح الجمهور فرصة للتنفس بعيداً عن الكثافة الفكرية، ومسرحية ما ليس لي كوميديا ناعمة دون ادعاء فكري ثقيل، وفي الوقت نفسه يبرز الطابع السردي القائم على عكس الحوار كعنصر مميز يضع النص في تماس مع تجارب عالمية بالمسرح».وقدم د. عصام اليوسفي الورشة الثانية بعنوان «فن الكتابة المسرحية» على مسرح الشامية، بحضور مجموعة من المشاركين المهتمين بفنون التأليف المسرحي، وأوضح د. اليوسفي أن «الورشة اعتمدت بشكل رئيسي على التمارين التطبيقية والاشتغال على التجربة، انطلاقاً من فلسفة نفعل من أجل أن نفهم، وهذه هي فلسفة أو منهجية المقاربة»، وأضاف أن الجانب الثاني اشتغل مع المشاركين على جنس الكتابة المرتبط بطبيعة الأسلوب، وأيضا طبيعة العالم الدرامي الذي اقترحه في إطار قصص متنوعة.
Ad