أكد استشاري الغدد الصماء والسكري، الاستشاري الزائر في معهد دسمان للسكري، د. ثامر محمد العيسى، أن «نسبة المصابين بمرض السكري في الكويت تتراوح تقريباً بين 20 و25 في المئة»، مشيراً إلى أنه «لا توجد حتى الآن بيانات كافية لتحديد أعداد الإصابات الجديدة بشكل سنوي».

وأفاد العيسى، في تصريح لـ «الجريدة»، بأن هذه النسبة تشمل أنماطاً مختلفة جداً من المرض، إذ تختلف شدة السكري وطرق علاجه من شخص إلى آخر، فبعض المصابين يحتاجون إلى علاجات بسيطة، بينما يتطلب آخرون خططاً علاجية مكثفة بسبب حدة المرض لديهم.

وقال إن الرقم المتداول حول أعداد المصابين بالسكري في الكويت، المقدر بنحو 800 ألف مصاب، أي ما يقارب ربع السكان، هو رقم كبير بلا شك، لكنه غير مفاجئ عند النظر إلى طبيعة هذا المرض باعتباره من الأمراض المزمنة المرتبطة بنمط الحياة والجينات الوراثية المنتشرة في المجتمع الكويتي.

Ad

وذكر أن «توقع ارتفاع هذه الأعداد أمر طبيعي، فالأمراض المزمنة عموما ترتبط بنمط الحياة، وبالتالي فإن نسب الإصابة مرشحة للزيادة ما لم تتغير أنماط الحياة».

أعداد الحالات

وأوضح العيسى أن «الحديث عن نسب أو أعداد يتم احتسابها بمئات الآلاف يعني أننا نتناول أعداداً واسعة من الحالات، لمرض يتدرج في الشدة، ويشمل فئات مختلفة من المرضى»، مضيفاً «عندما نتحدث عن نسبة 20 في المئة مثلاً، فإننا نتكلم عن فئة يمكن منع تطور المرض لديها، بينما عندما نتحدث عن رقم كبير مثل 800 ألف، فهؤلاء يشملون مرضى يحتاجون إلى علاج بحبة واحدة يوميا، وآخرين يحتاجون إلى أدوية متعددة أو إبر الإنسولين».

وشدد العيسى على أن تنوع مسببات السكري وتفاوت درجاته يجعلان من تقدير الأعداد الدقيقة للفئات الأكثر عرضة أمراً معقداً، الأمر الذي يستدعي تعزيز الوعي المجتمعي وتشجيع الفحص المبكر وتبني أسلوب حياة صحي للحد من ارتفاع معدلات الإصابة. 

معدلات السكر

وأفاد العيسى بأن مرض السكري هو ارتفاع في معدلات السكر داخل الدم فوق مستوياتها الطبيعية، مما يجعل الجسم غير قادر على التعامل معها بالشكل المطلوب، موضحاً أن السكر يفترض أن يكون مصدراً أساسياً للطاقة، حيث تقوم الخلايا بتوزيع احتياجاتها منه، لكن عند ارتفاعه عن معدله الطبيعي تفقد الأعضاء قدرتها على أداء وظائفها بكفاءة.

وضرب أمثلة على زيادة معدلات السكر في الأوعية الدموية، موضحاً أنها تتعرض للتكلس عند بقاء السكر في الدم بمستويات مرتفعة، مما يؤدي إلى زيادة احتمالية الجلطات، كما أن الكلى تتأثر مباشرة بهذه الارتفاعات، إذ تضعف قدرتها على الفلترة تدريجياً مع مرور الوقت نتيجة الإجهاد المستمر.

أنواع السكري

وفيما يتعلق بالأسباب الرئيسية لارتفاع السكر، بين العيسى أن النوع الأول من السكري يحدث عندما يكون هناك عجز في إنتاج الإنسولين بكميات كافية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع مباشر في معدلات السكر في الدم، وأما النوع الثاني يعمل على إنتاج طبيعي أو شبه طبيعي للإنسولين، لكن الجسم يعمل مقاومة تجاهه، فلا يستطيع الإنسولين أداء دوره في خفض مستويات السكر.

وأوضح أن هذه المقاومة ترتبط في المقام الأول بأنماط الحياة المعيشية، مثل زيادة الوزن، واستهلاك سعرات حرارية عالية، وتراكم الدهون خصوصاً الدهون الحشوية في منطقة البطن مما يؤدي إلى فقد قدرة عمل الإنسولين وارتفاع القياسات.

تدهور تدريجي

ولفت إلى أن مريض السكري من النوع الثاني، خصوصاً من يعاني من السمنة وتراكم الدهون، قد يواجه تراجعاً تدريجياً في قدرة إنتاج الإنسولين، مضيفاً أنه «في البداية قد يكتفي المريض بأقراص بسيطة لتنظيم السكر، لكن مع سوء السيطرة على المرض لسنوات، قد يفقد جزءاً كبيراً من قدرته على الإنتاج، فيضطر المريض إلى استخدام الإنسولين للوصول إلى مستوى ضبط جيد للسكر».

النوع الثاني

وأكد العيسى أن النوع الثاني هو الأكثر انتشاراً في الكويت، نظراً لارتباطه الوثيق بنمط الحياة اليومي والعوامل الجينية الوراثية، مشيراً إلى أن طبيعة النظام الغذائي الذي يعتمد على السعرات الحرارية العالية، والدهون الزائدة، والنشويات التي تعمل على زيادة مقاومة الإنسولين وانتشار المرض.

وتابع «أما النوع الأول من السكري فهو موجود أيضاً، لكنه أقل انتشاراً بشكل ملحوظ، كما أن العوامل الوراثية المرتبطة به تظهر بدرجة أقل مقارنة بالنوع الثاني».

النظام الغذائي

وأضاف العيسى أن النظام الغذائي السائد في الكويت يعتمد بشكل كبير على النشويات، مثل الأرز والخبز والمخبوزات المصنوعة من الطحين، وهي عناصر أساسية لا تكاد تخلو منها أي وجبة يومية، لكنه أوضح أن المشكلة لا تكمن في النشويات وحدها، بل في طريقة تناولها ومكوناتها المصاحبة.

وقال إن «النشويات غالباً ما تكون ممزوجة بكمية كبيرة من الدهون والزيوت المهدرجة المستخدمة في الطبخ والقلي، مما يجعل الوجبة عالية جداً في السعرات الحرارية»، مؤكداً أن هذا المزيج من نشويات ودهون عالية يؤدي إلى زيادة أسرع في الوزن.

 سكري الأطفال

وفيما يتعلق بإصابة الأطفال بمرض السكري، أوضح العيسى أن إصابة الصغار بالسكري غالباً ما ترتبط بالعوامل الوراثية أو بالنوع الأول من المرض، وهو مرض مناعي يؤدي إلى ضعف إنتاج الإنسولين، مؤكداً أن الحياة اليومية أو نمط الغذاء لا يعد سبباً مباشراً لهذا النوع.

وعبر العيسى عن قلقه من تزايد إصابات الأطفال بالسكري من النوع الثاني، مبيناً أن هذا النوع «يعود أساساً إلى سوء التغذية، وقلة الحركة، وعدم ممارسة الرياضة، وارتفاع الوزن»، مضيفاً «هنا تكمن الإشكالية، فالطفل يصاب بمرض كان يمكنه الوقاية منه، لكن بسبب العادات اليومية التي اكتسبها من بيئته الغذائية ونمط حياته، يجد نفسه مصاباً بمرض مزمن في عمر مبكر».

 وتابع أن الإصابة في سن صغيرة تجعل المضاعفات الصحية أكثر حضوراً وخطورة مع مرور السنوات، مؤكداً أن قضية السكري ليست قضية فرد أو أسرة فقط، سواء تعلق الأمر بالبالغين أو الأطفال، بل هي قضية مجتمعية شاملة تتطلب تدخلا من عدة أطراف، مثل الدولة التي عليها دور والقطاع الخاص بدوره يمتلك رؤية يمكن أن تدعم جهود التوعية والوقاية، كما أن المجتمع المدني يجب أن يشارك بفاعلية في الحد من السمنة والسكري عبر تعزيز السلوكيات الصحية.

ودعا إلى تنظيم نمط الحياة اليومية واعتماد أسلوب صحي متوازن، مشيراً إلى أن السكري لا يأتي منفرداً، بل يرتبط عادة بمشكلات صحية أخرى مثل ارتفاع الكوليسترول والضغط وغيرها من الأمراض المزمنة. 

المضاعفات الصحية

وقال العيسى إن ما يزعجه كثيراً في عيادات السكري هو مشاهدة فئة كبيرة من المرضى، خصوصاً صغار السن، يستخدمون عدداً كبيراً من العلاجات نتيجة السمنة والمضاعفات الصحية المرتبطة بها، مشيراً إلى أن بعض هذه الأدوية تتسبب بآثار جانبية مثل هبوط السكر، التعب، والإرهاق، وهو ما ينعكس على أداء الطفل في حياته اليومية. 

وأضاف «هناك أشخاص يحتاجون إلى الإنسولين طوال حياتهم، ويضطرون لأخذه في أي مناسبة اجتماعية أو أثناء وجودهم مع أسرهم، وهو أمر مزعج وصعب على المريض، خصوصاً إذا لم يتعظ ويغير سلوكياته».

وأكد أن التطور المتسارع في التكنولوجيا الطبية والذكاء الاصطناعي يسهم في تسهيل حياة المرضى، خصوصاً الأطفال المصابين بالسكري، ويمنحهم قدرة أكبر على ممارسة حياتهم اليومية دون قيود.

التكلفة العلاجية

وأضاف أن تكلفة العلاجات الدوائية لمريض السكري من النوع الثاني في مراحل التشخيص الأولى يحتاج عادة إلى نوعين من أدوية السكر تتراوح تكلفتهما بين 60 و100 دينار شهرياً، وفي حال كان عمر المريض 40 عاماً أو أكثر، فإنه يحتاج غالباً إلى علاج يخفض مستويات الكوليسترول، وتبلغ تكلفته نحو 20 ديناراً شهرياً، ليصل مجموع النفقات إلى قرابة 100 دينار شهرياً.

وأشار العيسى إلى أن هذه التكلفة عند احتسابها على مدار سنوات طويلة تشكل عبئا مالياً كبيراً على الفرد وعلى المنظومة الصحية للدولة.