في كلمته نيابة عن أسرة الصقر، قال النائب السابق محمد الصقر: «الإخوة والأخوات، كنت أتمنى لو كان حديثي عن غير أخي وابن عمي حمد عبدالعزيز الصقر، لكي لا تحرجني صلة القربى فألتمس التواضع على حساب الحقيقة، وأكتفي بالوقوف عند الخطوط العريضة.

وكنت أتمنى ألا يكون حمد عبدالعزيز الصقر بالذات هو صاحب المناسبة، لكي لا أشعر بشيء من تأنيب الضمير، لأني بالكلام عنه إنما أقترف ما يكره، هو الذي آثر طوال دنياه أن يعمل بصمت، بعيدا عن إبهار الضوء، وعن جموح الكلمة، وعن تصفيق المناسبات. ولكن ما يخفف عني عبء الإحراج والتأنيب هو أن الحديث عن حمد الصقر لا يتكئ على درجة القرب والقرابة، ولا يحتاج إلى تزويق الصورة أو تشويق الخطاب، إنما يستمد صدقه وبلاغته من موضوعه ومبتغاه، ذلك أن القمم - بحكم موقعها وعلوها - تطل من فوق، وتشاهد عن بُعد.لا أخفي عليكم، أن لديّ توجيها صارم اللباقة بأن التزم بالوقت المتاح لي. وهو وقت أقصر بكثير من أن يسمح لي بأن أطوف سريعا بكل جوانب شخصية من نحتفي اليوم بإنجازه. لذا أستميحكم عذرا في أن أجتهد فأرسم الملامح الرئيسية لهذه الشخصية من خلال سمات ثلاث هي، غنى النفس، ونبل الخلق، وإنسانية الموقف. ثم أستمد من هذه السمات وفي إطارها ومضات قليلة علها تعزز اجتهادي وتزيد من وضوح الصورة: 

نشأ حمد عبدالعزيز الصقر في فيء جيل الرواد، والتزم قيمهم الوطنية والمجتمعية والأخلاقية، فكان مثلهم ومنهم. واستشرف - في الوقت ذاته - قيم المستقبل القائمة على العلم والكفاءة والعدل، فعاش شابا منفتح العقل على كل تطور علمي وفكري جديد، ومفتوح اليد على كل ما هو خير ونبيل. وإلى جانب نجاحه في الحفاظ على التوازن الدقيق بين قيم الرواد ومقتضيات التطور، بقي حمد من القلة الذين لا يشبهون إلا أنفسهم، حيث تبقى صورتهم المجتمعية نسخة طبق الأصل عن حقيقتهم. ولأنه غنى النفس، كان حمد - رحمه الله - أديبا في حواره، صريحا في رأيه، ينأى عن المواربة والمجاملة، ويرفض التجمل وارتداء الأقنعة، كما يرفض انفصام القول عن العمل، وتأجيل الوفاء بالوعد وتحقيق الأمل. 

Ad

وإذا كان التواضع عند البعض لا يعدو كونه إعلانا مهذبا عن التميز، فإن غنى النفس ونبل الخلق وإنسانية الموقف، جعلت التواضع الصادق في شخصية حمد ترجمة عفوية لإيمانه بالعدل والمساواة وكرامة الانسان. 

أما بالنسبة لمواقف حمد الانسانية، فلم تكن أبدا بنت اللحظة، أو وليدة العاطفة فقط، بل كانت تستند الى رؤية واضحة متكاملة، تقوم في شقها الوطني على أن الكويت لن تكون مركزا ماليا أو تجاريا أو بتروليا إلا إذا أصبحت ذات موقع علمي متقدم، وأنها لن تنجح في معالجة قضايا النمو والعمالة والمجتمع إلا من خلال الارتقاء الفعلي بمستوى التعليم والتدريب. 

أما الشق الإنساني لهذه الرؤية، والذي يوسع مفهومها ويستكمل مداها، فينطلق من الدور العميق والوثيق الذي يلعبه التعليم في تحصين كرامة الانسان.

وقد عبّر حمد عن رؤيته هذه بأفصح وأجدى ما يكون التعبير، حين اختار أن تكون هديته لوطنه مركز التقنية والابتكار الذي نحتفي اليوم بافتتاحه، باعتباره استثمارا استراتيجيا في بناء الانسان الكويتي، يساعده على مواكبة التحولات العالمية المتسارعة، وعلى التحرر من هيمنة الوظيفة العامة على طموحات العمل، ويتيح له الارتقاء بمستوى دخله ومعيشته على أسس حقيقية من مؤهلات العلم وإنتاجية العمل. كما عبّر حمد عن الشق الإنساني العام في رؤيته، حين خص المؤسسات التعليمية عموما والفلسطينية منها خصوصا بمساحة واسعة من مواقفه الإنسانية. وهي مواقف كان حمد يحرم على نفسه التحدث عنها، ولم نحط بها خبرا إلا بعد رحيله، ومن خلال المراسلات التي استمر توجيهها اليه من هذه المؤسسات.  «جهينة» و«بصيرة» و«مقياس»... منظومة متكاملة لمكافحة التضليل وتحليل الإعلام والرأي العام

الإخوة والأخوات، لا أعرف التكلفة المالية لمركز التقنية والابتكار الذي أهداه حمد عبدالعزيز الصقر لوطنه، ولكني - بالتأكيد - أعرف قيمته. وأستدل على ذلك علميا من مقال عن التعليم والتدريب كتبه توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز، وجاء فيه أن «هناك علاقة سلبية بين الثراء المتحقق من الموارد الريعية الطبيعية، وبين مخرجات التعليم وما يحصل عليه الطلبة من معارف ومهارات. ذلك أن الاعتماد على الثروات الطبيعية يضعف أي مجتمع في المدى البعيد، فالذي يحرّك الانسان هو ما ينتجه بنفسه ويدفع ثمنه، وليس ما يأتيه دون جهد مكافئ». 

وفي دراسة لمنظومة مخرجات التعليم في خمس وستين دولة في مرحلة الثانوية العامة، مقارنة بما تحققه كل دولة من دخل من مصادرها الطبيعية، تبين أن طلبة سنغافورة، فنلندا، كوريا الجنوبية، هونغ كونغ، واليابان، قد حققوا أفضل النتائج بالرغم من خلو بلادهم من الموارد الطبيعية. بينما سجل أسوأ النتائج طلاب ثانويات، كازاخستان، الكويت، الجزائر، وإيران. من هنا تتضح رؤية حمد الصقر، ومن هنا تنبثق قيمة مركز التقنية والابتكار الذي نحتفي بافتتاحه. 

كان الفيلسوف اليوناني ديوجين يسير في أسواق أثينا كل نهار، وفي يده مصباح مضاء. فإذا سئل عن سبب حمل المصباح في وضح النهار، أجاب: إني أبحث عن إنسان. أغلب الظن أن صاحبنا ديوجين لو التقى حمد عبدالعزيز الصقر، لكف عن بحثه، وأطفأ مصباحه، وهتف: لقد وجدته. 

رحمك الله أبا صقر، بقدر ما كنت، غني النفس، نبيل الخلق، إنساني الموقف. 

شكرا للقائمين على مركز حمد الصقر للتقنية والابتكار الذين شرفوني بالحديث على منبرهم، وشكرا لكم جميعا كريم حضوركم، وجميل إصغائكم».

 إرث إنساني حاضر في الذاكرة 

من جانبه، أكد الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني، عصام الصقر، أن الكويت فقدت برحيل المغفور له بإذن الله حمد عبدالعزيز الصقر أحد رجالها النبلاء الذين تركوا أثرا كبيرا في نفوس كل من عرفه، مشيرا إلى أن مسيرته كانت مليئة بالإنجازات التي تجسد قيم الوفاء والانتماء للوطن.

وقال الصقر إن الراحل كان شخصية نادرة بتصرفاته وأخلاقه وتواضعه، محبا للجميع ومحبوبا من الجميع، لافتا إلى أنه تشرّف بمرافقته في العديد من المحطات، ورأى عن قرب مدى حرصه الدائم على مساعدة الآخرين ودعم التعليم والمتعلمين.

وأضاف أن الراحل لم يكن يوما يسعى للظهور أو التحدث عن أعماله الخيرية، فقد قدّم الكثير في الخفاء، ولم يعلم الكثيرون بجميل أفعاله إلا بعد وفاته، مؤكدا أن هذا النهج لا يصدر إلا عن قلوب مخلصة تعمل بصمت وإخلاص.

وتابع الصقر: «إن ما تركه الفقيد من إرث إنساني وخيري سيظل حاضرا في ذاكرة المجتمع، وإن الجميع مدعوون للاقتداء بنهجه ومواصلة مسيرة الخير التي تبناها طوال حياته».

اهتمامه بالتعليم والمرضى

من ناحيتها، أكدت رئيسة مبرة عبدالعزيز الصقر الخيرية، هيفاء عبدالمحسن الصقر، أن المرحوم حمد الصقر كان مملوءا بأجمل الصفات الإنسانية من تواضع وإحساس بحاجة الآخر والعطاء اللامحدود، ومن صفاته الجميلة أنه كان مستمعا جيدا وذا رأي سديد في النهاية.

وأضافت أن الحديث عن المرحوم حمد لا ينتهي، وكان آخر أعماله إنشاء مبرة والده المرحوم عبدالعزيز الصقر عام 2022، وكان أكثر اهتمامه بالتعليم والحالات المرضية والحالات الإنسانية للأسر المتعففة، فقد قمنا بتدريس 6000 طالب وتم علاج أكثر من 300 حالة من مرضى السرطان وغسل الكلى والحالات المستعصية، أما المساعدات الإنسانية فهي كانت أكثر من 500 حالة مختلفة.

واستذكرت الصقر بيتا شعريا جميلا يقول فيه الشاعر

ملأى السنابل تنحني بتواضع

والفارغات رؤوسهن شوامخ

 وكأن الشاعر يستشرف ظهور هذه الشخصية وهي شخصية حمد الصقر.

زمالة وذكريات

من جانبه، قال رئيس تحرير جريدة القبس وليد النصف: «زاملت المرحوم حمد الصقر 12 سنة في البنك الوطني»، مبينا أن ما تعلمه منه يفوق ما تعلمه من البنك الوطني بالقدوة والكرم والتواضع.

 وأكد النصف أن «المرحوم حمد الصقر يذكرني لما نجلس معاه بالآباء الكويتيين القدماء»، مضيفا أنه ضد أن يكون العمل الخيري الكبير في السر ويجب أن ينتشر. ويكون خبرة للناس من خلال العمل الخيري الفردي والعمل الخيري المؤسسي.

بدورها، أكدت الشيخة انتصار السالم الصباح أن شخصية الراحل حمد الصقر تركت أثرا بالغ العمق في نفسها، موضحة أنه حفر لديها قيما ومفاهيم وذكريات لا يمكن نسيانها، وقالت: «أنا أتكلم عن نفسي، هذه الشخصية حفرت فيني الكثير، وتعلمت منه أموراً جميلة جداً».

وأوضحت الشيخة انتصار أن الراحل كان يعيش اللحظة بكل حضور ورضا، سواء في الحديث أو الاستماع الى الموسيقى أو في الجلسات والنقاشات، حتى في الأوقات التي لم تكن صحته فيها بأفضل حال، فقد كان يتعامل معها بإيجابية، ويخرج ويقابل من يحبهم متى ما سمحت له حالته بذلك».

عطاء باقٍ 

وعلى هامش الافتتاح، قال الرئيس التنفيذي للمركز سعود العنزي: «نؤمن بأن الاستثمار في العقول هو العطاء الأبقى أثراً... لذلك أسسنا ذلك المركز»، مؤكداً أن «افتتاح مركز حمد عبد العزيز الصقر للتقنية والابتكار يمثل حدثاً مفصلياً، ونقطة تحوّل استراتيجية في مسيرة التحول الرقمي في الكويت، فالتقنية تتطور بسرعة تفوق قدرة المؤسسات الأكاديمية والجامعات على ملاحقتها وبالتالي تدريسها، لذا يأتي المركز ليسد هذا الفراغ بين حاجة سوق العمل وعجز المؤسسات التعليمية التقليدية عن تلبية الطلب على أصحاب القدرات التقنية الفائقة. إذ لم ننشئ المركز ليكون مجرد إضافة تقنية، بل ليكون مساحة متكاملة تجمع الموهبة بالشغف، بهدف تحويل المطورين والمبرمجين الكويتيين من مجرد مستخدمين للتقنية إلى مبتكرين وصُنّاع حقيقيين لها».

وأضاف العنزي أن «فلسفتنا راسخة تقوم على الابتكار كمنهجية عمل، ووضع بناء الإنسان أولاً في صدارة أولوياتنا، حيث لا يقتصر عملنا على تعليم البرمجة، بل بناء مطورين متكاملين يمتلكون البيئة التعليمية القادرة على تطبيق المعرفة النظرية مباشرة في مشاريع حقيقية».

وذكر أن المركز يحمل رسالة وإرث المرحوم، حمد عبدالعزيز الصقر. فإلى جانب مسيرته الاقتصادية، كان رائداً في العمل الخيري، مع إيمان عميق بأن بناء الإنسان والمجتمع يبدأ بالتعليم، مؤكداً مواصلة هذا النهج في تمكين الأجيال بالعلم والمعرفة، إيماناً بأن الاستثمار في العقول هو العطاء الأبقى أثراً.

تمكين العقول 

من جانبه، قال المدير التقني عذبي المطيري إن «منهجيتنا أساسها تمكين العقول واعتماد الذكاء الاصطناعي والابتكار لبناء أدواتنا الخاصة»، مضيفاً: «نحن نرتكز على فلسفة التحول الجذري من الاستهلاك إلى الإبداع، وهذا يعني أننا نرفض الاعتماد الكلي على الحلول الجاهزة ونتبنى منهجية (بناء أدواتنا الخاصة) لضمان الريادة التقنية. وقد مكننا هذا التوجه من ابتكار البنية التحتية والأنظمة اللازمة بدلاً من الاعتماد الخارجي».

وأكد المطيري أن المركز يعد رائداً في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والأتمتة لتسريع عمليات التطوير البرمجي بشكل جذري. وقد أثمرت هذه المنهجية إنجازاً غير مسبوق، حيث تمكنت فرق عملنا من تسريع التنفيذ بنسبة وصلت إلى 87 بالمئة، مما سمح بتنفيذ المشاريع الضخمة في أوقات قياسية.

ورأى أن مشروع ركيزة يجسد هذه الفلسفة، فهو إطار عمل برمجي متقدم ابتكره المركز لتجاوز التحديات الروتينية، وعبر أتمتة هذه المهام، يتيح «ركيزة» لفريق التطوير توجيه كامل تركيزه وموارده نحو ابتكار وحدات الذكاء الاصطناعي وتطوير الميزات المتقدمة، مما يضمن الأساس المتين لابتكار أسرع.

حزمة متكاملة

بدوره، كشف مدير المشاريع، مطلق المجهول، أن «المركز أنجز حزمة متكاملة من أنظمة التحول الرقمي التي تخدم الأمن المعلوماتي والشفافية وكفاءة القطاعات التخصصية»، معرباً عن فخره بتقديم منظومة متكاملة لمكافحة التضليل وتحليل الإعلام والرأي العام، وتشمل هذه المنظومة «جهينة» للتحقق من المعلومات بالذكاء الاصطناعي المدرب على السياق الكويتي لمكافحة الشائعات، ونظام «بصيرة» الذي يعمل كعين ساهرة تراقب القنوات الإخبارية 7/24 لتحويل البث التلفزيوني إلى رؤى إحصائية قابلة للتحليل.

وأضاف المجهول: كما أنجز المركز حزمة من أنظمة التحول الرقمي للقطاعات التخصصية، وعلى رأسها منصة إسناد للمحاماة، والتي تمكن التحول الرقمي لهذا القطاع من خلال أتمتة المهام الإدارية المعقدة، وأيضاً نظام «راصد البورصة»، وهو منصة ذكاء بيانات شاملة مصممة، خصوصاً لسوق الأوراق المالية الكويتي، تربط تحركات الأسهم آلياً بالأخبار والتحليلات، وإضافة إلى ذلك، فإن أدوات مثل «مقياس» توفر بوصلة دقيقة لصانعي القرار لفهم نبض الجمهور واستخلاص المواقف الإيجابية والسلبية من الشبكات الاجتماعية.

منهجية فريدة

ويرتكز مركز حمد عبد العزيز الصقر على مجموعة من المبادئ الفلسفية التي تشكل منهجيته الفريدة في العمل، متجاوزاً بذلك الأطر التقليدية لمراكز التدريب أو التطوير، وهذه الفلسفة تتمحور حول ثلاثة محاور أساسية:

الابتكار كمنهجية عمل 

يتبنى المركز مقاربة تبدأ بالابتكار وليس تنتهي به، هذا يعني أن كل عمليات التطوير، من أصغر مهمة إلى أضخم مشروع، تدار بمنطق الابتكار الجذري، وقد أثمرت هذه المنهجية عن نتائج غير مسبوقة، إذ تمكنت فرق العمل في المركز من تسريع عمليات التطوير البرمجي بشكل جذري، ليصل التسريع في التنفيذ إلى نسبة قياسية تبلغ 87  بالمئة. 

هذه القفزة الهائلة في الكفاءة والسرعة تسمح للمركز بتنفيذ المشاريع الضخمة والمعقدة في أوقات قياسية، متجاوزاً بذلك جداول العمل التقليدية للشركات والمؤسسات التقنية المعتادة.

التحول من الاستهلاك إلى الإبداع (بناء أدواتنا الخاصة):

هذه هي الركيزة الأهم في فلسفة المركز، الذي يعتقد أن التبعية الكاملة للحلول التقنية الجاهزة والمستوردة تمثل قيداً على التطور الوطني والاستدامة التكنولوجية، لذا، فإن الفلسفة الجوهرية هنا هي «بناء أدواتنا الخاصة». 

ولا يكتفي المركز باستخدام التقنيات المتوفرة، بل يعمل على ابتكار البنية التحتية والأنظمة اللازمة للريادة التقنية من الألف إلى الياء، وهذا النهج لا يضمن فقط الاستقلالية التكنولوجية، بل يسمح أيضاً بابتكار حلول مصممة خصوصاً لتلبية الاحتياجات والسياقات المحلية في الكويت والمنطقة، وبمنهجية تتوافق تماماً مع أعلى معايير الأمن السيبراني والسيادة المعلوماتية.

التركيز على بناء الإنسان أولاً:

يشدد المركز على أن التكنولوجيا هي نتاج العقل البشري، وأن أي ريادة تقنية حقيقية يجب أن تبدأ بالاستثمار في العقول، فالمركز لا يقتصر عمله على تعليم البرمجة، بل يهدف إلى بناء مطورين متكاملين. 

ولهذا، فإنه يوفر بيئة عمل تعليمية متكاملة تمكن المبرمجين من تطبيق المعرفة النظرية مباشرة في مشاريع حقيقية وذات تأثير ملموس، وهذا التحويل للمواهب إلى قوة دافعة لصناعة التكنولوجيا يضمن أن الكويت ستنتقل من مرحلة مستخدم التقنية إلى مرحلة صانعها ومبتكرها.

ويُعدّ المركز رائداً في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والأتمتة لتسريع عمليات التطوير البرمجي جذرياً، إذ تمكنت فرق العمل في المركز من تسريع التنفيذ بنسبة تصل إلى 87 بالمئة، مما يسمح بتنفيذ المشاريع الضخمة في أوقات قياسية، وهي المنهجية التي تضمن الريادة التقنية عبر ابتكار البنية التحتية والأنظمة اللازمة بدلاً من الاعتماد الكلي على الاستهلاك الخارجي.

إنجازات تكنولوجية لخدمة القطاعات الحيوية:

ويكشف افتتاح مركز حمد الصقر عن حزمة متكاملة من المنصات والأنظمة المبتكرة التي تم تطويرها داخلياً، التي تهدف إلى إحداث تحول نوعي في القطاعات الحيوية بالكويت، وتمثل هذه الإنجازات دليلاً على قدرة الكفاءات الوطنية على إنتاج تكنولوجيا متقدمة تخدم الأمن المعلوماتي، وتعزز الشفافية، وترفع كفاءة العمل الإداري والقانوني، وتتمثل تلك المنصات في: 

أولاً: منصات مكافحة التضليل والرصد الإعلامي (العين الساهرة على المعلومة والمحتوى)

تعتبر هذه المنظومة المتكاملة (جهينة، بصيرة، راصد الصحف، ومقياس) درعاً تقنية لمكافحة الشائعات والتضليل الإعلامي، وفي الوقت نفسه بوصلة دقيقة لفهم نبض الشارع والمحتوى الإعلامي.

1. «جهينة» (Juhaina): منصة التحقق من المعلومات الذكية

الوظيفة: هي منصة متخصصة للتحقق الفوري من المعلومات المتداولة، خاصة في بيئة الشبكات الاجتماعية سريعة الانتشار.

التقنية: تعمل المنصة بتقنية الذكاء الاصطناعي الذي تم تدريبه، خصوصاً على فهم السياق المحلي الكويتي. هذا التدريب المخصص يسمح لها بالتمييز بين المحتوى الموثوق والمضلل بدقة عالية.

الهدف: الرصد الفوري للمحتوى، تحليل موثوقيته استناداً إلى المصادر الرسمية، ومكافحة الشائعات والتضليل لتقديم الحقائق للمجتمع.

2. «بصيرة» (Baseera): نظام التحليل التلفزيوني على مدار الساعة

الوظيفة: يعمل «بصيرة» كعين ساهرة تراقب القنوات الإخبارية على مدار الساعة، 7 أيام في الأسبوع، 24 ساعة في اليوم.

التقنية: يستخدم النظام الذكاء الاصطناعي لتحويل البث التلفزيوني الخام إلى بيانات قابلة للتحليل. 

تشمل قدراته:

• التفريغ الصوتي الفوري للمحتوى المنطوق.

• التعرف على الوجوه والشخصيات الظاهرة.

• التحليل الشامل للبيانات المرئية والسياقية.

الهدف: استخلاص رؤى إحصائية عميقة من المحتوى الإعلامي المرئي، مما يساعد في الفهم الأعمق لتوجهات القنوات الإعلامية والتحليلات السياسية والاقتصادية.

3. «راصد الصحف» (Newspaper Observer): نظام الرصد الشامل

الوظيفة: هو نظام تحليلي متكامل يتابع المحتوى المنشور في الصحف بجميع أشكالها: المطبوعة، الإلكترونية، والاجتماعية.

الهدف: جمع المحتوى المتفرق وتوحيده في منصة واحدة، لتوفير «صورة متكاملة» عن كيفية تعاطي الصحافة الكويتية مع القضايا الوطنية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة.

4. «مقياس» (Miqyas): أداة تحليل الرأي العام والمشاعر

الوظيفة: أداة متقدمة لمراقبة وتحليل الرأي العام على شبكات التواصل الاجتماعي، مع تركيز خاص على منصة إكس (X).

التقنية: يرصد المحتوى ضمن نطاق جغرافي محدد، ويقوم بتحليل المشاعر والتوجهات السائدة (Trends).

الأثر: استخلاص المواقف الإيجابية والسلبية للجمهور تجاه قضايا أو قرارات محددة، مما يجعله «بوصلة دقيقة لصانعي القرار لفهم نبض الجمهور».

ثانياً: أنظمة التحول الرقمي للقطاعات التخصصية (تحرير الكفاءات البشرية)

يركز المركز على تحرير الكفاءات البشرية في القطاعات التخصصية من الأعباء الإدارية والروتينية المعقدة، من خلال أنظمة رقمية متخصصة ومصممة بعمق.

1. «إسناد» (Esnad): المنصة القانونية المتكاملة

القطاع المستهدف: مكاتب المحاماة والقطاع القانوني.

الوظيفة: هي منصة قانونية شاملة تمكّن التحول الرقمي الكامل في هذا القطاع. تقوم بإدارة القضايا، جدولة الجلسات والمواعيد، إصدار الفواتير، وأتمتة المهام الإدارية المعقدة.

القيمة المضافة: يحرر النظام المحامين من الانشغال بالعمل المكتبي الروتيني ليتمكنوا من «التركيز على جوهر قضاياهم»، مما يرفع الكفاءة التشغيلية والمهنية.

2. «راصد البورصة» (Boursa Observer): ذكاء البيانات لسوق المال

القطاع المستهدف: سوق الأوراق المالية الكويتي والمستثمرين.

الوظيفة: منصة ذكاء بيانات شاملة مصممة خصوصاً لبيئة سوق المال الكويتي. تربط النظام تحركات الأسهم بشكل آلي بالأخبار التلفزيونية والمطبوعة، ويحلل ما يتم تداوله على منصات التواصل الاجتماعي (مثل إكس).

الأثر: يقوم النظام بتوليد توصيات استثمارية مدعومة بتحليل عميق يربط بين البيانات المالية (تحركات الأسهم) والبيانات النوعية (الأخبار والآراء).

 

ثالثاً: حلول الإدارة الذكية والخدمات المجتمعية

إلى جانب الأنظمة التخصصية، طور المركز أدوات لتحسين كفاءة الإدارة الداخلية وتنظيم العمل المجتمعي والخيري.

1. «رابط» (Rabit): حل أتمتة المصاريف الإدارية

الوظيفة: حل إداري ذكي يعمل على أتمتة ومتابعة المصاريف النثرية للموظفين والمندوبين.

القيمة المضافة: يسرع النظام دورة الموافقات المالية، مما يحقق كفاءة عالية، ويوفر شفافية لا مثيل لها في الإدارة التشغيلية للشركات والمؤسسات.

2. «رائد» (Ra›ed): منظومة إدارة الأنشطة التطوعية والتدريب

الوظيفة: منظومة متكاملة وشاملة لإدارة وتنظيم الأنشطة التطوعية وبرامج التدريب.

الخدمات: تغطي المنظومة جميع مراحل العمل، من تسجيل المتطوعين، إدارة الدورات التدريبية، جدولة الفعاليات، ومتابعة الحضور، وصولاً إلى إصدار الشهادات فورياً.

رابعاً: خدما ت دعم القطاع الصحي

انطلاقاً من دور المركز في دعم القطاعات الحيوية، فقد طور منظومة متخصصة لخدمة القطاع الصحي التجاري.

1. منظومة إدارة الصيدليات الذكية:

الوظيفة: منصة متكاملة لإدارة المخزون، والطلبات، وبيانات العملاء، وتعتبر حلاً شاملاً لأتمتة أعمال الصيدليات.

التقنية المتقدمة: تستخدم المنظومة الذكاء الاصطناعي لتحليل محادثات العملاء والتفاعلات، وتقديم توصيات ذكية للمنتجات، بما يضمن تلبية احتياجات العميل بدقة.

الهدف: رفع مستوى الخدمة الصحية والمهنية من خلال دمج التكنولوجيا المتقدمة في العمليات اليومية.

خلفيات تأسيس المركز 

تضمّن الحفل عرضاً مصوّراً يشرح خلفيات تأسيس مركز حمد عبدالعزيز الصقر للتقنية والابتكار، بوصفه إحدى المبادرات التي أراد الراحل من خلالها إحداث أثر مستدام في بناء الإنسان.

حيث آمن الراحل بأهمية تطور المعرفة والمهارات التقنية لدى الشباب، وأن تمكينهم من التقنيات الحديثة هو أساس نهضة الوطن مستقبلاً.

منظمة غير ربحية وعين ساهرة على الإعلام والمجتمع

يقدم المركز، الذي يمثل منظمة غير ربحية، حلولاً متقدمة لتعزيز الوعي والشفافية، فبينما تعمل منصة جهينة على خدمة المجتمع الكويتي في مكافحة التضليل عبر التحقق من موثوقية المعلومة، يقوم نظام بصيرة بدور العين الساهرة على القنوات الإخبارية العالمية والعربية، حيث يرصد ويحلل ما يُبث على مدار الساعة، ويحول البث التلفزيوني إلى بيانات إحصائية لفهم أعمق، وتتكامل هذه الأدوات مع «مقياس»، الذي يوفر «بوصلة دقيقة لصانعي القرار» لفهم نبض الجمهور واستخلاص المواقف الإيجابية والسلبية من الشبكات الاجتماعية.

حمد الصقر... إرث إنساني ومسيرة رائدة

 يجسد المركز الرؤية والإرث الإنساني للمغفور له بإذن الله، حمد عبدالعزيز الصقر، فإلى جانب مسيرته الاقتصادية، كان (يرحمه الله) رائداً في العمل الخيري، مع إيمان عميق بأن بناء الإنسان والمجتمع يبدأ بالتعليم، وقد كرّس جزءاً كبيراً من جهده لدعم الطلبة والمبادرات التعليمية، مفضلاً أن يبقى هذا الدعم بعيداً عن الأضواء. وتخليداً لذكراه، واستمراراً لنهجه في تمكين الأجيال بالعلم والمعرفة، أُسس هذا المركز ليحمل هذه الرسالة، مع التزامه بمواصلة إرثه إيماناً بأن الاستثمار في العقول هو العطاء الأبقى أثراً. 

ويُعنى مركز حمد عبدالعزيز الصقر للتقنية والابتكار، كمركز غير ربحي، برعاية المواهب وتحويلها إلى قوة دافعة لصناعة التكنولوجيا، مؤمناً بأن الأفكار العظيمة يقف خلفها أشخاص طموحون، ولذلك يعمل على بناء مساحة تجمع الموهبة بالشغف، لتحويل المطورين من مجرد مستخدمين للتقنية إلى مبتكرين وصُنّاع لها.

«ركيزة».. فلسفة الابتكار من الداخل

يعكس مشروع «ركيزة» فلسفة المركز الجوهرية بالابتعاد عن الحلول الجاهزة، إذ يعد إطار عمل برمجي متقدم تم ابتكاره وتطويره بالكامل داخل المركز. 

وصُمم هذا الإطار لتجاوز التحديات الروتينية في بناء الهياكل والمكونات الأساسية المشتركة لجميع المشاريع البرمجية. 

وعبر أتمتة هذه المهام، يتيح «ركيزة» لفريق التطوير توجيه كامل تركيزه وموارده نحو ابتكار وحدات الذكاء الاصطناعي وتطوير الميزات المتقدمة، مما يضمن تسريع دورة حياة تطوير المشاريع جذرياً «ركيزة: الأساس المتين.. لابتكار أسرع».

آلية العمل والأثر

تقوم منظومة «ركيزة» بأتمتة المهام الروتينية والمكررة بشكل كامل، ما يزيل العبء التقني والإداري عن كاهل المطورين.

كما تتيح هذه المنظومة لفريق التطوير توجيه كامل تركيزه وموارده نحو المراحل الأكثر تعقيداً وابتكاراً، من تطوير وحدات الذكاء الاصطناعي والميزات المتقدمة.

ومن خلال تحويل الموارد البشرية والزمنية من مهام البناء الأساسي إلى مهام الذكاء الاصطناعي والتحليل المتقدم، تضمن «ركيزة» الريادة التقنية للمركز، ويجعل من عملية تطوير المشاريع الضخمة التي قد تستغرق أشهراً في أماكن أخرى، مهمة قابلة للإنجاز في أوقات قياسية، وهو ما يفسر نسبة التسريع التي بلغت 87% في عمليات التطوير.

دور المركز في بناء المطور المتكامل

يؤمن مركز حمد عبدالعزيز الصقر للتقنية والابتكار بأن التحدي الحقيقي في العصر الرقمي ليس في توفير التقنية، بل في بناء العقل القادر على صناعتها، لذلك جعل المركز مهمته الأساسية تركز على «بناء المطور المتكامل».

في ظل التطور السريع للذكاء الاصطناعي، لم يعد دور المطور يقتصر على كتابة الأكواد التقليدية، بل أصبح يتطلب فهماً عميقاً لبيئة العمل وتحدياته، والقدرة على تطبيق المعرفة النظرية مباشرة في مشاريع ذات قيمة مضافة، ويقوم المركز بتوفير هذه البيئة الفريدة التي تحول المواهب الشابة من مجرد متعلمين إلى قوة دافعة حقيقية لصناعة التكنولوجيا.

تحويل التحديات إلى فرص 

إن الأداء المذهل للمركز في تسريع عمليات التطوير جذرياً بنسبة 87 بالمئة ليس مجرد رقم إحصائي، بل هو انعكاس مباشر لنجاح منهجيته في بناء المطورين. عندما يتم تحرير المطور من المهام الروتينية (بفضل «ركيزة»)، يتمكن من التركيز على الابتكار في وحدات الذكاء الاصطناعي والميزات المتقدمة. هذا النموذج يرفع مستوى الكفاءة التقنية للمطورين الكويتيين إلى مستويات عالمية، ويضمن قدرة المركز على تنفيذ المشاريع الضخمة التي تخدم مصلحة الوطن والمجتمع بأوقات قياسية، وتحويل التحديات إلى فرص.