جريمة نظام الأسد أو «الأسدين» في سورية عبر سنوات الحكم التي امتدت قرابة نصف قرن مخيفة ومؤلمة، وستكون أحوال سجونه ونمط التعذيب فيها محل دراسة وتجميع معلومات فترة طويلة قادمة.
لماذا لم يقلب سقوط النظام بهذه الطريقة الدرامية المشهد العربي السياسي والثقافي؟ ولماذا لم تغير طرق الاعتقال ووسائل التعذيب التي انكشفت في «السجون السورية السياسية الحديثة» مناهج كليات القانون ومعاهد الشرطة ومفاهيم الاعتقال والسجن والمعارضة؟ ولماذا لم يتحسر أحد على عبارات التمجيد والمديح لذكاء وعبقرية «حافظ الأسد» و«بشار الأسد» التي راجت في الإعلام؟
كان النظام السوري لسنوات بشكل مسكوت عنه كما قيل، للضرورة، وبسبب «ظروف الصراع مع إسرائيل» وأسباب أخرى، يقارن إيجابياً بنظام «صدام حسين» في العراق، مع إعطاء النظام السوري بعض النقاط لدوره الوطني في لبنان، ومعارضته لاحتلال الكويت عام 1990، وغير ذلك.
كان النظام يرفع شعارات الوطنية والتقدم والحرية والوحدة، مع العمل في الوقت نفسه ليل نهار، كما تبين في إنتاج المخدرات، وفي اقتلاع الألسن، وسمل الأعين، واغتصاب المعتقلات والمعتقلين! وفي التفنن في «معمار السجون»، التي تمتد سراديبها عميقاً أسفل سافلين. وكان المعتقل يتعرض لكل صنوف التعذيب التي كثيراً ما سمعنا أفظع «التكت السوداء» عنها! المعتقل السياسي المدان لحظة اعتقاله، والفتاة التي تختطف من منزل أهلها وتتم كل ألوان التعذيب وهدر الكرامة معها، والسجين الذي تجري في النهاية «تصفيته»... اعترف أم صمد!
مصائب «شرقي المتوسط» جاءت متزامنة ومتشابهة بشكل متماثل من اللاإنسانية والوحشية، وكانت المنطقة سجوناً ممتدة من البحر المتوسط إلى حدود أفغانستان!
كان النظام السوري أو نظام الأسد الأول والثاني أحسن سمعة من نظام صدام حسين، وكان رأي البعض في النظام أن «رائحة الحداثة» فيه أظهر وأعمق، وقواعد التحقيق وقوانين العدالة أرسخ والحواجز بين السلطات الثلاث أمكن!
ولم يكن هذا هو حال السوريين من نظامهم ولا معرفتهم به ومعايشتهم له! هذه قصة.
والقصة الثانية الأشد إجراماً وإيلاماً تدخّل إيران وحزب الله ضد الشعب السوري، عندما ثار على جرائم نظامه، وعلى «بشار الأسد» الذي عرّاه الشعب في مثل هذه الأيام قبل عام.
لم يفضح السوريون نظامهم السابق فحسب، بل عروا تماماً السياسة التوسعية لنظام إسرائيل ونتنياهو، الذي بادر إلى تحطيم البقية الباقية من حيث سورية واحتلال ما يمكن احتلاله، ضارباً عرض الحائط بالمكاسب الكبيرة التي غنمها من المنطقة الخليجية والعربية، وكذلك تنامي الرغبة العربية في السلام وإنهاء حالة الحرب.
وكلها مطالب إسرائيلية أساسية كانت تحلم بتحقيقها منذ 1948.
وإذا كان الوضع السوري مفهوماً بعض الشيء بعد سقوط النظام، فإن الوضع العراقي يزداد غموضاً مع هذه الميليشيات المتعاطفة والمرتبطة مع إيران. إيران التي لا يملك شعبها والقسم الأرشد والأنضج من شعبها وشيعتها وسنتها أن يقولوا «لا» للنظام، أو يقولوا لقادة نظام ولاية الفقيه «كفانا تدخلاً في أمور الآخرين»، ولنعالج مشاكل العملة المتآكلة والماء المتبخر والجفاف والخدمات المتهاوية والرواتب والصحة ومعاشات المتقاعدين والحريات التي كما يقال عزت في إیران مثل «الكبريت الأحمر»!
أتعس دول شرق المتوسط وشمالي المحيط الهندي اليوم ربما «نظام طالبان» في أفغانستان المكبلة بهذا النظام الذي يجلد النساء ويعدم الرجال، والتي يحلم ويطمع بعض رجال الدين في إيران بسلطة على الجماهير وبخاصة النساء، كسلطة طالبان. بعض رجال الدين أو الملالي أو «آيات الله» هؤلاء هم أنفسهم الذين كانوا يتباهون زمن الشاه بأن نظامهم سيكون أكثر احتراماً ورحمة بالمرأة. ما أحوال السجون والمعتقلات والقوانين والمحاماة في أفغانستان؟ نترك ذلك للقاء آخر!