المراد بالوصية الواجبة أنها استحقاق في التركة سببه وصية أنشأها القانون في حياة المورث جبراً لفرع الولد الذي مات في حياة مورثه.
صدر بها القانون الكويتي سنة 1971م بناءً على رأي لجنة الفتوى بوزارة الأوقاف في الكويت، وقد جرى العمل بالوصية الواجبة في أكثر الدول العربية، ومنها مصر وسورية والعراق والأردن والمغرب والإمارات وعمان.
والمستند الفقهي للإلزام بالوصية هو قوله تعالى: «وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولاً معروفاً» [سورة النساء - 8].
ووجه الدلالة: أن الله تعالى أمر بإعطاء القرابات غير الوارثين وغيرهم ممن حضر القسمة نصيباً منها. والأمر هنا متجه إلى المورث بالوصية وإلى الوارثين ببذل نصيب من هذا الرزق الذي ساقه الله إليهم من غير كدٍ ولا كدح، جبراً للقلوب والخواطر التي قد يسري إليها الحسد والتباغض. وفيها قال العلامة السعدي: «وهذا من أحكام الله الحسنة الجليلة الجابرة للقلوب».
والآية محكمة، والعمل بها قائم عند أكثر العلماء من الصحابة والتابعين، وهو قول أكثر المفسرين وجمهور الفقهاء. قال ابن عباس، رضي الله عنه: «يقولون إن هذه الآية نسخت، لا والله ما نسخت، ولكنها مما تهاون الناس به».
والأمر في الآية الكريمة يحمل على الوجوب عند كثير من أهل العلم، وهو مروي عن ابن مسعود وأبي موسى الأشعري وعبدالرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنهم - وبه قال مجاهد وسعيد بن جبير والحسن وعطاء والزهري وغيرهم – رحم الله الجميع. وعليه يكون الإلزام بالوصية هو إلزام بما أوجب الله تعالى.
ولو سلمنا أن الأمر هنا محمول على الاستحباب، فإن الإلزام بالمباح فضلاً عن المستحب جائز شرعاً وداخل في صلاحيات ولي الأمر عند وجود المصلحة. فالوصية للقرابات غير الوارثين أقل درجاتها الاستحباب بلا ريب، لا سيما مع الحاجة والعوز. فالإلزام بالمستحب وتحديد مقداره داخل في صلاحيات ولي الأمر.
وهذا معهود في السياسة الشرعية، وأدلته من أفعال مجتهدي الصحابة كثيرة بتضييق المباح أو بالإلزام ببعض صوره وكذلك الحال في المستحبات، ومن أمثلة ذلك:
1 - أمر عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- حذيفة- رضي الله عنه- أن يطلّق لما تزوج من امرأة كتابية، فقال: أحرام هي؟ قال عمر: لا ولكنك سيد المسلمين، وكذلك أمر طلحة -رضي الله عنه- لئلا يقتدي بهما المسلمون.
2 - امتناع عمر بن الخطاب عن تقسيم أرض السواد بالعراق - وقد فُتحت عنوة- على الفاتحين، وهو حق مالي أمضاه النبي - صلى الله عليه وسلم - في خيبر وغيرها، وذلك مراعاةً لمصلحة الأجيال القادمة وعدالة توزيع الثروات.
ومن الأمثلة المعاصرة للمعاملات المشروعة المبنية على إطلاق صلاحيات ولي الأمر في الجانب المالي لما فيه مصلحة المسلمين مؤسسة التأمينات الاجتماعية، حيث تتضمن إنشاء عقد جبري يُقتطع بموجبه جزء من راتب الموظف مقابل استحقاق الراتب التقاعدي والذي يستمر بعد وفاة الموظف لأبنائه القصر. ومن أجاز الإلزام بإنشاء عقد التأمين واقتطاع جزء من الراتب لمصلحة، لزمه القول بجواز إنشاء الوصية لمصلحة.
وباستعراض حجج المانعين من الإلزام بالوصية نجدها تتركز فيما يلي:
1 - الاعتراض بقولهم: الوصية الواجبة تخالف الإجماع حيث إن الابن يحجب ابن الابن. والجواب عنه: أنه نقل للإجماع في غير محل النزاع، فالإجماع حاصل في قسمة المواريث على أصحاب الفروض والوارثين بعد موت المورث، ومحل النزاع هو الوصية التي ينشئها القانون جبراً حال حياة المورث في حدود الثلث لغير الوارثين.
2 - الاعتراض بقولهم: إن الآية الكريمة أمرت بإعطاء القرابات واليتامى والمساكين، فالقرابات غير الوارثين أعم فيدخل فيهم الأخوال وابن الأخت وغيرهم. والجواب عنه: أنه عموم أريد به الخصوص وهو كثير في القرآن الكريم، وهو من جنس قوله تعالى: «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها...»، وبالاتفاق يجزئ دفعها إلى مسكين واحد، كما يجزئ بذلها إلى أحد الأصناف الثمانية دون باقيها، ولولي الأمر صلاحية التخصيص في ذلك بمقتضى المصلحة.
3 - الاعتراض بقولهم: الوصية الواجبة توريث غير وارث واستدراك على قسمة رب العالمين. والجواب عنه: إن الاستحقاق حاصل بالوصية وليس باستحقاق الميراث. والفرق بينهما ظاهر، فالوصية في حدود الثلث وناشئة حال حياة الموصي وهذه أخص صفات الوصية. وإنما شرعت الوصية أصلاً لإعطاء من لم يقسم له رب العالمين أو قضى بحجبه، فلا فرق بين الوصية للأب غير المسلم وبين الوصية لابن الابن إذا كان محجوباً.
فإن قيل: إن تحديد نصيب الأحفاد بمثل نصيب أبيهم دليل على أنه خرج مخرج التوريث لا الوصية. فالجواب عنه: بأن الوصية بمثل نصيب أحد الورثة من الصيغ المعهودة عند الفقهاء في باب الوصية، وقد تقدم بأن تقييد الوصية الواجبة بالثلث وإنشاءها في حياة المورث حاكم بأن الاستحقاق الحاصل بها من قبيل الوصايا لا الإرث.
فإن قيل: إن الوصية أنشأها القانون لا الموصي. فالجواب عنه بأن إنشاء الوصية من غير الموصي معهود في الشرع ودليله حديث عائشة -رضي الله عنها- أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- إن أمي افتلتت نفسها وأراها لو تكلمت لتصدقت، أفأتصدق عنها قال: نعم. وفي رواية لو تكلمت لأوصت. وقد ذكره طائفة من علماء الحديث في كتاب الوصايا.
وخلاصة القول: إن الخلاف في مشروعية الإلزام بالوصية سائغ، والأدلة على مشروعيتها من باب السياسة الشرعية أظهر، وإن إلغاءها بحجة مخالفة الشريعة مجانب للصواب، بل مدار ذلك على تحقق المصلحة العامة بها من عدمها.