من خلال مواقف مختلفة، يتكشَّف لنا حجم ومقدار القسوة التي نحملها بداخلنا، والتي تصل في البعض إلى طرح تساؤلٍ مستحق: هل نحن قساة بالفطرة، أم هي حالة طارئة، وردة فعل نراها طبيعية لأفعالٍ ومواضع أشد غِلظة من آخرين؟!

من أين تأتينا هذه الغلظة؟ وكيف نستطيع أن نستحضرها بتلك الصورة السريعة أحياناً، والمخيفة أحياناً أخرى، والتي لا نقبلها حتى بيننا وبين أنفسنا؟ لم نكن يوماً أشداء بهذا الشكل المقيت، ولا أفظاظاً على الطبيعة التي تُسهم بين فترةٍ وأخرى في تفاقم مثل تلك السلوكيات الطارئة.

Ad

العقول التي تُجبرك على هذا المسلك الخاطئ هي التي تتحمَّل وزر هذه الخطيئة. نعم، فما يُقابلك من سلوكيات سيئة تُرغمك في كثيرٍ من الأوقات على اتخاذ قرار يفتقر للعقل والمنطق، وربما العاطفة!

بكل تجرُّد وموضوعية، لا أحاول تلطيف هذه الصفة البغيضة، أو التبرير لمن يرتكبها، بقدر ما هي محاولة للبحث عن الدوافع والأسباب التي قد يكون أهمها المعاملة بالمثل، وهي بلا شك حالة تساوي سابقتها، إن لم تكن أسوأ!

خلاصة القول: أعتقد أن الجفاء والشدة والقسوة، مهما بلغ حجمها واتسعت رقعتها، فهي ليست دائماً متأصلة في النَّفْس، فقد يستخدمها البعض أحياناً لاستفزاز للغير، ومرات يختارها آخرون كآلية للدفاع عن استغلالٍ معيَّن، وفي جميع الأحوال تخلق دائرة شديدة العتمة، مليئة بالألم وغياب التعاطف.

القسوة شعور ظاهره قوة وهمية، ونهايتها حسرة وندم. ولأنها أفعال تخالف طبيعة البشرية المتسامحة بالفطرة، فهي سلوك عقلي، وليس قلبياً، مبني على تعاطينا مع الآخرين، والعكس صحيح بالطبع، حين يُظهر لنا البعض قسوة زمنية لم تكن معهودة أو موجودة، وبالتالي نحتاج إلى شخصيات بصفات ملائكة في هذا الزمن الغريب، وإلى قلوبٍ تملك من السماحة والغفران والتجاهل ما لا يملكه بشر، فهل بيننا اليوم مَنْ هُم بهذه الهيئة الكريمة؟!