يُعدّ منبّه السيارة (الهرن) أحد أبسط أدوات الأمان للسائق، لكنه في الوقت ذاته من أكثرها إثارة للجدل. وقد جاءت كلمة «هرن» كما نسميه بالعامية في الكويت من الكلمة الإنكليزية horn، وقد تعددت أسماؤه في العالم العربي بتعدد البيئات والثقافات، ففي الأردن ولبنان يُسمّى الزّمور وهي أقرب للفصحى، وفي تونس يسمى الكلاكسون وهي مأخوذة من الإسبانية claxon، أمّا في اليمن فله تسمية طريفة هي «هون ونان»، وفي مصر يسمّى بالعامية الكلاكس المأخوذة من الفرنسية klaxon، بينما ينتشر اسم البوري في بلدان عربية أخرى. 

غير أنّ هذه الأداة اللازمة سرعان ما تتحول في شوارعنا إلى وسيلة للتعبير عن العصبية وضيق النفس، ولأن الاستخدام غير المنضبط يؤدي لتلوث صوتي، جاءت القوانين المنظمة لاستخدامها في معظم الدول، ففي القانون الألماني، على سبيل المثال، يُمنع إصدار أصوات متتابعة من أبواق السيارة، إلا على سيارات الطوارئ.

وإن عدم ردع هذه السلوكيات الخاطئة قد يحولها إلى ثقافة عامة مستساغة، ففي بعض المجتمعات العربية تحوّلت هذه الأبواق إلى لغة تشير للتحية والسلام أو إظهار الفرحة والسرور، وهناك مناطق عربية تحوّلت إلى مثال حي لهذا التلوث السمعي، حتى اكتسبت لقب «العاصمة الحية التي لا تنام». 

Ad

وأما في الكويت فقد وصلنا إلى مرحلة حرجة من التلوث الصوتي في السنين الماضية بسبب استهتار ورعونة بعض الشباب في استخدام «الهرنات» وعوادم السيارات «الملغومة»، فالموضوع لا يقتصر على لحظة الانزعاج الآني، بل قد يرسّخ بيئة من الفوضى يشعر فيها المجتمع بأن الإزعاج بات أمراً طبيعياً.

و لولا الحزم الذي أبدته وزارة الداخلية في تفعيل القوانين الرادعة لمخالفة استخدام المنبّهات المزعجة وعوادم السيارات التي تصدر أصواتاً كالمتفجرات، لكنا سلّمنا لهذه الفوضى العارمة، فهناك من يطرب لهذا التلوث السمعي. 

ولعلّ ما حدث لي قبل أيام يختصر القول، إذ كنت أقود سيارتي بعد صلاة الفجر، في جو هادئ يملؤه الهدوء والسكينة، وصادف أن كان أمامي سائق يبدو غريباً عن المنطقة يسير ببطء بحثاً عن المخرج الصحيح، خصوصاً بعد إغلاق بعض الشوارع للصيانة. وفجأة، يظهر خلفي «وانيت» مستعجل ويبدأ سائقه بإطلاق المنبّه بطريقة فجّة وكأننا تعدينا عليه! لوّحت له بيدي مستنكراً ما حدث، فتجاوزنا السيارة التي كانت أمامنا ثم قلت له: يا أخي لماذا كل هذا الإزعاج في أول الصبح والناس نيام! فقال لي - بكل ثقة - إن ما فعله أمر طبيعي، وإن «الهرن» لم يكن موجّهاً لي! فلماذا الاستياء؟! حاولت تذكيره بأننا في منطقة سكنية والناس نيام، وأن الانتظار عدة ثوانٍ أولى من هذا الإزعاج... لكنه بدا مقتنعاً بأن التنبيه حق مكتسب، وأن ما فعله طبيعي جدا وليس فيه حرج! ويبدو أنه لا يميز الفرق بين رنّة «الهرن» وبين صراخه! يقول أحد المتخصصين في الشؤون الأسرية: إذا أردت أن ترتبط بإنسانة واستطعت أن تتابع قيادتها في الشارع من غير أن تلاحظك، فافعل، فإن نصف أخلاق الشخص تظهر في قيادة السيارة.