يُعد نموذج التميُّز الأوروبي EFQM أحد أهم الأطر الإدارية العالمية التي تهدف إلى تحسين الأداء المؤسسي، وتعزيز ثقافة التميُّز والتحسين المستمر. طوَّرته المؤسسة الأوروبية لإدارة الجودة European Foundation for Quality Management على مدى 35 عاماً، ليكون أداة عملية تساعد المؤسسات على القياس والتقييم والتطوير وفق معايير منهجية ومتكاملة.
وقد انتشر تطبيق هذا النموذج على نطاقٍ واسع في أكثر من 50 ألف مؤسسة (حتى عام 2025) في القطاعات الحكومية والخاصة، لما يوفره من نظرة شاملة للمؤسسة، وآليات واضحة لتطوير العمليات، وتحسين النتائج والاستجابة للتغيير.
يقوم نموذج EFQM على مبدأ رئيسي، مفاده أن التميُّز المؤسسي ليس هدفاً نهائياً، بل هو رحلة مستمرة تعتمد على التحسين والمنهجية وتوظيف الابتكار. ويعتمد النموذج على 3 ركائز أساسية (التوجه، والتنفيذ، والنتائج)، وسبعة معايير رئيسية، تشمل:
1- الغاية والرؤية والاستراتيجية 2- الثقافة المؤسسية والقيادة 3- إشراك المعنيين 4- خلق قيمة مستدامة 5- قيادة الأداء والتحوُّل 6- انطباعات المعنيين 7- الأداء الاستراتيجي والتشغيلي.
ويختبر هذا النموذج قدرة المؤسسات على تحقيق التوازن بين ما تقوم به «العمليات»، وما تحققه «النتائج»، مع التركيز على أداة التشخيص في النموذج، وهي: الرادار (RADAR) التي تقوم على: تحديد النتائج، وتشخيص نقاط القوة الحالية وفرص التحسين، ووضع منهجية لتحقيق النتائج المطلوبة، والتطبيق والتنفيذ، والمراجعة والتقويم.
في المؤسسات الحكومية، يُسهم تطبيق نموذج EFQM في رفع كفاءة الخدمات، وتحسين تجربة المستفيدين، وتعزيز الحوكمة. فالحكومات تسعى إلى تقديم خدمات ذات جودة عالية للمواطنين، وضمان الاستخدام الأمثل للموارد، وهنا يوفر EFQM إطاراً عملياً لتطوير الأداء على مستوى الوزارات والهيئات الحكومية. كما يساعد النموذج على ترسيخ ثقافة الجودة والشفافية وتشجيع الابتكار، إضافةً إلى قُدرته على تحسين عمليات اتخاذ القرارات عبر الاعتماد على البيانات وتحليل الأداء.
وقد اعتمدت العديد من الحكومات حول العالم هذا النموذج كأساس للجوائز الوطنية للتميُّز المؤسسي، مما يعكس أهميته في القطاع العام.
أما في المؤسسات الخاصة، فيُعد EFQM أداة استراتيجية لتعزيز التنافسية والريادة في السوق. فهو يُسهم في تحسين تجربة العملاء، ورفع جودة المنتجات والخدمات، ووزيادة الكفاءة التشغيلية من خلال تحسين العمليات، وتقليل الهدر، وتبني منهجيات جودة، مثل إدارة المخاطر والتحوُّل الرقمي.
كما أن النموذج يساعد الشركات على بناء ثقافة مؤسسية قائمة على الابتكار والوصول إلى نتائج مالية وتشغيلية أفضل. وتستخدم الكثير من الشركات العالمية والإقليمية هذا النموذج كمرجع للتقييم الذاتي والتطوير المستمر واكتساب ميزة تنافسية مستدامة.
نموذج التميُّز الأوروبي ليس مجرَّد أداة للجودة، بل يمثل إطاراً للشراكة بين مختلف القطاعات، ومنهجاً اقتصادياً إدارياً شاملاً يُمكِّن المؤسسات من تحقيق التحفيز والإبداع داخل بيئة العمل، وتحسين الأداء المؤسسي الداعم للتنمية الأممية والشراكة المجتمعية. لذلك أصبح EFQM أحد أهم نماذج إدارة التميُّز في الدول التي تسعى إلى اقتصاد المعرفة والتحوُّل المؤسسي المستدام، لتتمكَّن من تلبية احتياجات مجتمعاتها الحالية والمستقبلية.