تفصلنا أيام، بل ساعات قليلة، عن انعقاد القمة الخليجية السادسة والأربعين، التي ستحتضنها مملكة البحرين، بمشاركه قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. واليوم نقف أمام تلك المنظومة، التي تعكس عُمق الروابط التاريخية والسياسية التي تجمع دول الخليج، ويزداد إصرارها على تقوية متانة العمل الخليجي. 

ولن يختلف اثنان على حقيقة متانة الأخوة التي تجمع قادة الدول بشعوبها، والتي أسهمت في بناء تلك المنظومة واستمراريتها. وتتسلَّم مملكة البحرين الرئاسة الدورية بعد الكويت، والتي أضافت إلى أنشطة القمة وتيرة سريعة لتنفيذ قرارات عدة توَّجتها البصمة الفاعلة لصاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد، باستكمال النهج الاقتصادي، كالسوق الخليجية المشتركة، وقضايا الأمن الغذائي والمائي والطاقة المتجددة. 

وعودة للتكامل، فقد انطلق تاريخياً من الاجتماعات الأولى التي عُقدت في قمة الرياض وأبوظبي أواخر السبعينيات وبدايات الثمانينيات، والتي شكَّلت خريطة الطريق لمسيرة العمل الخليجي. وشكَّلت أيضاً بوصلة لتوجهاته السياسية نحو المزيد من التنسيق والاندماج.

Ad

وشهدت مرحلة الانطلاقة الحقيقية فكرة العمل الخليجي المشترك، حين تحوَّلت الرؤية إلى مشروعٍ استراتيجي يهدف إلى صون أمن المنطقة، واستقرارها، وتعزيز ازدهارها بمبادرة ذكية، وذات توقيتٍ فاعل من المغفور له الشيخ جابر الأحمد، طيَّب الله ثراه، وقد نجح قادة دول المجلس في ترسيخ دعائم التضامن، وحماية المنطقة من الانقسامات، وتعزيز مفاهيم الأمن والتنمية عبر القِمم المتعاقبة.

وعلى امتداد مسيرة المجلس برزت ملفات محورية حظيت باهتمامٍ واسع، في مقدمتها الاتفاقيات الأمنية، وقضايا الاقتصاد والتنمية، باعتبارها ركائز أساسية لتحقيق الاستقرار المستدام.

وكثيراً ما عقد الباحثون مقارنات بين مجلس التعاون الخليجي والمنظمات الإقليمية الأخرى، ومنها الاتحاد الأوروبي، من حيث عوامل عدة، منها البنية المؤسسية وغيرها، وأثبتت نتائج ما تابعناه من تلك الدراسات صلابة وتماسك منظومة الخليج، وفاعلية مكوناته الإدارية، كالأمانة العامة، والمجلس الوزاري، وهيئة تسوية المنازعات، إلى جانب العديد من اللجان الفاعلة.

وفي هذا السياق تأتي استضافة مملكة البحرين للقمة الخليجية في الثالث من ديسمبر من هذا العام، تأكيداً على مكانتها الريادية، ودورها المحوري في تعزيز مسيرة مجلس التعاون الخليجي، في ظل قيادة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حفظه الله، وهي بالمناسبة الاستضافة الثامنة للمملكة، والتي تتخذ من خيار التكامل مساراً استراتيجياً لمستقبل المنطقة.

ومنذ تأسيس مجلس التعاون 1981 أكدت البحرين إيمانها بوحدة المصير، وحرصت على الالتزام بأحكام النظام الأساسي للمجلس، سعياً لتحقيق أعلى درجات التكامل الاقتصادي والسياسي والأمني. وشكَّلت القِمم السابقة التي استضافتها محطات مفصلية في مسيرة المجلس، حيث شهدت إقرار اتفاقية الدفاع المشترك، وتعزيز السوق الخليجية المشتركة، وتوحيد السياسات الاقتصادية، وترسيخ منظومة العمل الأمني المشترك.

وتكتسب القمة السادسة والأربعون أهمية استثنائية، في ظل ما تشهده الساحة الإقليمية والدولية من تحديات متزايدة، حيث تتجه الأنظار إلى تعزيز مستويات التنسيق، ودفع جهود الأمن والاستقرار، وتوسيع آفاق الشراكات الاقتصادية مع الدول والتكتلات الدولية.

لا شك في أن استضافة مملكة البحرين لهذه القمة تمثل محطة جديدة في مسيرة مجلس التعاون. وقد عزز ذلك إعلان الأمانة العامة للمجلس انطلاق أعمال القمة الخليجية في المنامة، يسبقها اجتماع وزراء خارجية دول المجلس، للتحضير لأعمالها، ومناقشة القضايا المدرجة على جدول الأعمال.

وأخيراً، وليس آخراً... من كويت الإنجاز إلى بحرين الازدهار سيهنأ أهل الخليج بمنظومة فاعلة تضع المواطن الخليجي نصب عينيها، وتضفي على المنطقة الأمن والازدهار بإذن الله.