بعد ساعات من توجيهه تحذيراً صريحاً وعلنياً للدولة العبرية من أي خطوات تعرقل استقرار السلطة الجديدة في سورية، وفي ظل استمرار جمود مسار الدخول بالمرحلة الثانية من خطته بشأن غزة، أجرى الرئيس الأميركي دونالد ترامب مكالمة هاتفية، ليل الاثنين الثلاثاء، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، دعاه خلالها إلى زيارة البيت الأبيض في المستقبل القريب.
وفي حين ذكر مكتب نتنياهو أنه ناقش مع ترامب نزع سلاح «حماس»، وجعل القطاع الفلسطيني منزوع السلاح، بالإضافة إلى إقامة إسرائيل علاقات مع الدول التي لا تعترف بها ودون أي ذكر للملف السوري، أعرب مسؤولان أميركيان كبيران عن قلقهما من أن الغارات الإسرائيلية المتكررة داخل سورية تهدد بزعزعة استقرار البلد الذي مزقته الحرب الأهلية، وتقويض آمال التوصل إلى اتفاق أمني بين تل أبيب ودمشق.
ونقل موقع «أكسيوس» عن أحد المسؤولين قوله: «نحاول إقناع نتنياهو بوقف هذا، لأنه إذا استمر فسيُدمر نفسه بنفسه».
وأضاف أن استمرار نتنياهو بسياسته الحالية تجاه سورية يعني أنه «سيُفوّت فرصة دبلوماسية ضخمة، ويُحوّل الحكومة السورية الجديدة إلى عدو».
ولفت أحد المسؤولين إلى أن «سورية ليست مثل لبنان»، قائلا «دمشق لا تريد مشاكل مع إسرائيل. لكن نتنياهو يرى أشباحاً في كل مكان».
وصرح المسؤولان للموقع الأميركي بأن تصرفات نتنياهو قوضت جزئياً العمل على اتفاق أمني بين سورية وإسرائيل، تأمل إدارة ترامب بأن يكون الخطوة الأولى نحو انضمام دمشق إلى اتفاقيات أبراهام للسلام في وقت لاحق.
وأشار المسؤولان إلى اعتقادهما بأن نتنياهو يتدخل بطرق غير مفيدة على الإطلاق بسورية، لاسيما بعد أمره بشن أعمال عسكرية عبر الحدود في مرات عدة، بما في ذلك في الأيام القليلة الماضية.
وأكد مسؤولون أميركيون أن البيت الأبيض لم يتلقَّ إشعاراً مسبقاً بالعملية الإسرائيلية في بيت جن، التي أسفرت عن مقتل 20 سورياً خلال محاولة اعتقال 3 أشخاص بزعم تخطيطهم لشن هجوم عبر الحدود، وأن الإسرائيليين لم يحذروا دمشق عبر القنوات العسكرية كما فعلوا في حالات سابقة أو يمنحوها فرصة للتحرك ضد العناصر التي تقول تل أبيب إنهم ينتمون إلى «الجماعة الإسلامية» الناشطة في لبنان أيضاً.
توقع وتوغل
ومع احتدام الخلاف بين الحليفين بشأن إدارة الملف السوري، صرح نتنياهو بأن بلده يتوقع من سورية إقامة منطقة منزوعة السلاح من دمشق حتى جبل الشيخ الذي سيطر عليه جيش الاحتلال عقب سقوط نظام بشار الأسد.
وأضاف نتنياهو، خلال زيارته جنودا يرقدون بمستشفى بعد إصابتهم بتادل إطلاق النار في بيت جن: «بالطبع من مداخل جبل الشيخ وقمة جبل الشيخ. نحتفظ بهذه الأراضي لضمان أمن المواطنين الإسرائيليين، وهذا ما يلزمنا به. بحسن نية وفهم لهذه المبادئ»،
وفي موقف مخالف لتصريحات وزير دفاعه يسرائيل كاتس الذي أكد أن إسرائيل ليست على طريق سلام مع دمشق، رأى نتنياهو أنه يمكن أن نتوصل إلى تفاهم مع سورية «لكننا نتمسك بمبادئنا».
وبينما تشير تصريحات نتنياهو إلى تمسكه برفض مطالب دمشق التي تشترط انسحاباً إسرائيلياً إلى خطوط فض الاشتباك المعمول بها منذ اتفاقية 1974، وبما في ذلك قمة جبل الشيخ، لإبرام اتفاقية أمنية بين البلدين، أفادت تقارير بتوغل دورية إسرائيلية مكونة من 4 آليات ودبابتين في تلة الحمرية شمال القنيطرة السورية، بالإضافة إلى توغلات في تل أبو قبيس وصعوداً إلى أعلى التل قرب قرية عين زيوان.
من جهة ثانية، أفاد مصدر إسرائيلي مطلع لشبكة «سي إن إن» بأن نتنياهو طرح خلال المكالمة طلبه الأخير للعفو من الرئيس إسحاق هرتسوغ في محاكمته بتهم الفساد، دون الاعتراف بالذنب، وهو العفو الذي طالب به ترامب شخصياً بشكل رسمي في وقت سابق.
وجاء ذلك بالتزامن مع تجمع العشرات من المتظاهرين أمام مقر إقامة نتنياهو في القدس، احتجاجاً على طلبه العفو الرئاسي، مؤكدين أن «إسرائيل دولة قانون وليست محمية لترامب».
وفي ذروة انقسام واستقطاب سياسي وقانوني وجماهيري حاد يضرب الدولة العبرية، حذر هرتسوغ من أن «الخطاب العنيف لن يؤثر على قراره بشأن العفو»، داعياً الشعب إلى التعبير عن رأيه بديوان الرئاسة.
وكان هرتسوغ يرد على تهديدات ضمنية أطلقها مسؤولون إسرائيليون إذا لم يستجب لطلب نتنياهو، وتحديداً ما قالته وزيرة حماية البيئة عيديت سيلمان التي تحدثت عن احتمال تدخل ترامب وفرض عقوبات على كبار المسؤولين في الجهاز القضائي إذا فشل في «حماية مصلحة أمن إسرائيل».
وإلى جانب المطالبة باستمرار المحاكمة في القضايا الثلاث التي يواجهها، شدد المتظاهرون على ضرورة إكمال التحقيقات فيما يعرف ب «قضية قطرجيت»، ومحاسبة نتنياهو في لجنة تحقيق حكومية على الإخفاقات التي سبقت هجمات «حماس» في 7 أكتوبر الماضي.
إعمار غزة
من جهة أخرى، أعلن وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، أن القاهرة بدأت بالفعل تنفيذ برامج لتدريب عناصر من الشرطة الفلسطينية التابعة للسلطة المتمركزة في رام الله، على الأراضي المصرية، تمهيداً لتمكينهم من تولي مسؤولية حفظ الأمن في القطاع بعد تثبيت وقف النار، وإنهاء حالة الفراغ الأمني وفقاً لخطة ترامب الرامية لإنهاء الحرب وإعادة إعمار المنطقة المنكوبة.
وكشف عبدالعاطي أن مصر «تمضي قدماً في الإعداد لمؤتمر إعادة إعمار غزة بالتعاون مع الشركاء»، موضحاً أن المؤتمر سيكون برئاسة مشتركة مصرية-أميركية، مع استمرار التنسيق مع واشنطن لتحديد موعد انعقاده النهائي.
وتزامن ذلك، مع قيام «حماس» بتسليم بقايا إحدى الجثتين المتبقيتين لإسرائيل التي قتل جيشها 3 صحافيين بقصف على خان يونس بعد أن أعلن اغتيال قائد النخبة في لواء غزة التابع لحركة «الجهاد».
وعلى جبهة أخرى، قتلت القوات الإسرائيلية، بالرصاص فلسطينيين مشتبه بهما بتنفيذ هجومين، طعن ودهس، أسفرا عن إصابة 3 إسرائيليين بالضفة الغربية المحتلة.