قبل فترة قرأتُ دراسة صادرة عن جامعة هارفارد تتحدث عن نوع من الموظفين نادراً ما يُكتب عنه: الموظف السام، أو كما وصفته الدراسة “The Toxic Worker”، وهو الشخص الذي له أثر سلبي على الجو العام داخل المؤسسة التي يعمل بها.
عادةً ما نقرأ عن المبدعين والقياديين وأصحاب الكفاءات العالية، لكن هذه الدراسة اختارت الاتجاه العكسي تماماً، وركزت على الأشخاص الذين يؤذون فرقهم حتى لو كانوا منجزين على الورق.
الدراسة ذكرت مشاهدات قد نراها حولنا في الشركات والهيئات والقطاع الخاص. خلصت الدراسة لنتيجة مهمة وهي أن تفادي وإبعاد الموظف السيئ أهم بكثير من تعيين الموظف المميز. بمعنى آخر، تنظيف الجو أهم من إضافة نجم جديد.
فالمؤسسة قد تتحمل ضعف الأداء لفترة، لكنها نادراً ما تتحمل سلوكاً يهدم الثقة ويشتت الجهود ويخلق دوائر توتر يومية. ما الذي يجعل الموظف يتحول إلى عنصر مؤذٍ؟ الدراسة تقدّم إجابة بسيطة لكنها عميقة: الموظف الذي يبالغ في تقدير نفسه ويضع مصلحته فوق مصلحة الفريق هو الأكثر احتمالاً للانحراف السلوكي. إضافة إلى ذلك، بيّنت الدراسة أن بعض السلوكيات السامة ليست ثابتة منذ البداية، بل تظهر وتتضخم حين يعمل الشخص بجانب موظف آخر سام، فالسلوك المُعدي ينتقل بسرعة داخل الفرق. وهنا تظهر خطورة هذا النوع من الموظفين: فوجود شخص واحد سام لا يكتفي بإضعاف جودة العمل أو خلق جو مشحون، بل يمتد أثره إلى خسارة موظفين جيدين، وتراجع الروح المعنوية، وانخفاض الإنتاجية على مستوى الفريق بأكمله. وقد تبيّن أن المؤسسات تدفع ثمناً مضاعفاً عندما تسمح لهذا النوع من الموظفين بالبقاء، من تكلفة دوران وظيفي عالية إلى مخاطر قانونية وسلوكية، وكلها أثمان تفوق بكثير الفائدة التي يُخيّل للمدير أنه يحصل عليها من «موظف سريع الإنجاز». الأمثلة كثيرة على الموظف السام وأثره، وتشمل الفرق التي تتوتر بسبب شخص واحد يرفع صوته أو يقلل من زملائه، الأقسام التي يهرب منها الموظفون الجدد بعد أسابيع قليلة، والإنتاج الذي ينخفض رغم وجود أشخاص نشيطين ومتحمسين. وكذلك الموظف الذي يبدأ كل اجتماع بالتشكيك في أي فكرة قبل أن يستمع إليها، وآخر يحوّل أي خلاف بسيط إلى معركة تستنزف الوقت والجهد. وهناك أيضاً من يحتفظ بالمعلومات لنفسه ليبدو الأكثر أهمية، ومن يمرّر استياءه بسخرية خفيفة لكنها تسرّب الإحباط للجميع. وهناك الموظف أو المدير الذي يعادي من ينجح. وهناك النموذج الصامت الذي لا يهاجم أحداً لكنه ينشر طاقة سلبية متواصلة تجعل الفريق يمشي بحذر وكأنه على أرض مهتزة. المؤسسات لا تحتاج فقط إلى المواهب، بل تحتاج قبل ذلك إلى بيئة نظيفة من التوترات والسلوكيات المؤذية. مجتمعات العمل عندنا صغيرة، والدوائر الاجتماعية متشابكة، وتأثير السلوك، سواء كان إيجابياً أو سلبياً، ينتشر بسرعة. لذلك، حماية بيئة العمل المؤسسية ليست رفاهية ولا تجميلاً، بل شرط أساسي لنجاح أي فريق. وفي كثير من الأحيان، يمكن حل مشكلات كبيرة بقرار واحد: إبعاد من يفسد الجو... قبل أن نخسر الجميع.