المواطن «كاف» قلِق.
في بلده علّة مثيرة للجدل، لا أحد يعرف كيف يصفها،
ومرضٌ لا طبيب يجرؤ على تسميته.
يعرف «كاف» أن المرض الذي ينهش وطنه داءٌ غريب،
لا أصل له، ولا فصل، ولا يمكن ضبطه ولو بملاقط الزئبق.
يعرف أن العشرات حاولوا قبله تشخيص الداء، وفشلوا.
لكن «كاف» لا يخشى الفشل... بل شدّ ساعده كعنترة في الوغى،
وأخرج خنجره اللامع ليشتري كشكولاً جديداً، أبيض، خالياً من كل جواب... تماماً كحال البلاد.
ولكي يضع خطّة مُحكمة، قرر «كاف» أن ينام عميقاً... قيلولة العلماء قبل الاكتشاف.
وما إن «قيلل» حتى قفز إعلان شركة طيران على واجهة هاتفه،
فضغط وهو نصف واعٍ، نصف نائم...
وإذا به قد حجز تذاكر لكل العواصم الخليجية المجاورة خلال الخمس «ويكندات» القادمة.
حين استيقظ، شعر «كاف» بهيبة العلماء غير المسبوقة.
لن يضيع هذا الحماس الوطني، ولا مشتريات القيلولة سدى.
سيبدأ دراسته المعمقة:
«المقارِن يُقارن بالمقارَن».
وسيُقارن حال بلده بحال جاراتها، مدينة مدينة...
ولأنه يعلم أن الأشياء الصغيرة تدلّ على ما هو أعظم، قرر كاف أن ينظر للأمور من زاوية الثقافة حصراً،
وسينشر اكتشافاته ك «حِيل» تهبط كل أسبوع على صفحات هذه الجريدة الموقرة.
ويعلن «كاف» للقارئ بكل صراحة أنه لم يغادر حدود وطنه قَطّ،
ويخاف من الطيران، ولا يعرف الفرق بين المطار وموقف الباص...
ومع ذلك، هو مقتنع تماماً بأن لديه كل المؤهلات اللازمة لصياغة أطروحةٍ تليق ب «معهد توني بلير»، وجامعة «أكسفورد»، وربما... الأزهر.
ورغم مشروعه الضخم، يبقى «كاف» متواضعاً، طالباً من القراء - بأدبٍ جمّ - أن يدعوا له بالتوفيق، وأن يسامحوه إن كتب شيئاً قد يزعج أصحاب «المرض»...
فهو - في النهاية - مجرد صانع حِيَل لعلاج العلل.
كاتب ومخرج مسرحي