في مشهد يُجسد فعلاً مقولة «يبي يكحلها عماها»، قررت وزارة التربية، ضمن توجهها الجديد للمحافظة على الموروث الشعبي ضمن مناهجها التعليمية، أن تُكلف أقسام التربية البدنية بتعليم بنات المرحلة الابتدائية رقصة السامري! نعم... التربية البدنية، وليس قسم الموسيقى أو الفنون الشعبية، وكأن الرياضة والموروث الشعبي أصبحا وجهين لعملة واحدة!النية طيّبة لا شك، والموروث الشعبي أمر مهم ويستحق التقدير والاهتمام، لكن المشكلة ليست في التراث، بل في خلط الأدوار. فهل فعلاً انتهت مهام قسم التربية البدنية؟ وهل عجزنا عن تطوير مهارات الطلبة رياضياً، لدرجة أن «السامري» صار واجباً من واجبات مدرّب التربية البدنية؟ أم أن هناك خللاً في البوصلة التربوية لا نريد الاعتراف به؟الوزارة التي أغفلت لعقود الاهتمام بالنشاط الرياضي داخل المدارس، وساهمت بشكل غير مباشر في دفن المواهب الرياضية، تأتي اليوم لتكلّف نفس القسم بتعليم الرقصات التراثية! في حين أن مدارسنا تعاني من غياب الكشّافين، ومن إهمال خطير للرياضة المدرسية، ومن فقدان أي رؤية لاكتشاف المواهب، بات علينا أن نُغني ونرقص... بدلاً من أن نركض ونقفز ونلعب!أليس الأولى أن يُترك تعليم الفنون لقسم الموسيقى المختص؟ أو أن تمارس هذه الأنشطة ضمن فترات أو حصص النشاط الحر، وأن تُعاد للتربية البدنية هيبتها ودورها في صناعة الأبطال لا «الراقصين»؟هل نسينا أن لدينا موروثاً رياضياً أصيلاً بات في طيّ النسيان؟ وإذا كان لا بُد أن يكلف قسم التربية البدنية بالحفاظ على الموروث الشعبي، فعلى الأقل «خلوهم يلعبون» بعض الألعاب التي تحتوى على جانب بدني ورياضي، لكنها اندثرت مع الإهمال، وليس مع الموسيقى مثل «طبق حنة وطبق ماش» أو «صيده ما صاده» و«عماكور» و«مقصي» و«عنبر».بنلتيبهذا المنطق، «اللي يشابه واحد داش عكس السير»، قد نرى قريباً مدرّب الكرة الطائرة يدرّب على العود، وأستاذ السباحة يُلقّن الطلبة موال «يا زين»! فشكراً لـ «التربية» على هذه الخلطة، التي لا هي سامري ولا هي بدنية!
Ad