سرعة التغيير بالخريطة السياسية التي يتم تنفيذها بعد أن انتهوا من رسمها جعلتنا نفقد توازننا، الحديث بات عن تهجير الفلسطينيين وتوزيعهم بعدما كان عن تهجير اليهود إلى فلسطين، انقلبت الصورة تماما، بتنا أسرى لمشاريع تم تفصيلها على قياس الشعب اليهودي ومصالح دولة إسرائيل الكبرى في المنطقة.

غزة اليوم تنطق بلغة «عبرية» بعدما تقطعت أوصالها بالألوان الصفراء والحمراء والخضراء والمسلسل لم ينته بعد.

أبسط حقوق الشعب الفلسطيني بالتعويض عن طرده من أرضه دفنت للأسف، ولم يعد لها وجود بقواميس الشرعية الدولية التي حيكت على يد «ترامب العظيم»، وفق ما يسمى بخطة «سلام غزة»، وهي خطة سيتم تعميمها على أطراف دولة «إسرائيل الكبرى» لتصل إلى جنوب لبنان بعد جنوب سورية والدول العربية المحيطة بها سواء الأردن أو مصر.

Ad

ماذا فعلت إسرائيل؟ وليس ماذا فعلنا نحن العرب أو أصحاب القضية الفلسطينية، لقد أعدّت تل أبيب ملفات جاهزة لتبتز وتساوم فيها العرب والخليج، مفادها إذا رفعتم صوتكم للمطالبة بتعويض مالي للفلسطينيين فسنرفع صوتنا ونستخدم قوتنا للمطالبة بتعويض اليهود الذين طردتموهم من دياركم إلى أرض الميعاد!

عملت على إنشاء دائرة بوزارة الخارجية في تل أبيب أعدّت وجهّزت الملفات والوثائق ضمن حملة مخطط لها وبدقة تضعها على الطاولة في الوقت المناسب.

ستكشف لنا الأيام القادمة كيف استطاعت إسرائيل الكبرى أن تقلب الطاولة على رأس العرب والفلسطينيين فيما يخص حق العودة وحق الشعب المطرود والمهجر من دياره. 

وأنا أقرأ كتاب «التهجير القسري لليهود غاية أم جريمة العراق نموذجا» للدكتورهادي محمد الشروخي، والصادر عن دار مكتبة عدنان ببغداد، استحضرت قصة يهود العراق والخديعة الكبرى التي روجت لها الحركة الصهيونية بافتعال التفجيرات والاغتيالات لدفع يهود العراق إلى الهجرة.

كانت الفكرة التي اخترعتها الصهيونية أن فلسطين أرض الميعاد، وعلى كل يهود العالم العمل على تحقيق المشروع ولو كان الأمر كما يعتقدون فلماذا طرحوا فكرة الدول البديلة عن أرض فلسطين، والأماكن المقترحة بدأت بجبل آرارات مكان رسو سد سفينة نوح، ثم أوغندا البريطانية ووصلت إلى البحرين والإحساء وشرق السعودية، أن تكون تلك الدول وطناً قومياً لليهود، ثم انتهت بمدغشقر لكنها استقرت بفلسطين.

فكرة استبدال شعب بآخر ومقايضة السكان أو تبادلهم ما زالت على رأس أولويات حكومات اليمين المتطرف، وأكثرهم تدميرا حكومة نتنياهو، فقد طرحت على السلطان عبدالحميد الثاني ومع الأمير فيصل بن الحسين، وكشفت وثائق بريطانية أنها، أي إنجلترا، تقدمت باقتراح عام 1949 يقضي بتبادل 100 مقابل عدد مساو من اليهود العراقيين، كما ينقل المؤلف الدكتور هادي.

ينتهي الكتاب إلى خلاصة أن يهود العراق هاجروا منها ولم يهجّروا قسراً، وهؤلاء لم يكونوا جزءاً من المشروع الصهيوني، فلهم في العراق إرث ديني وثقافي ودور بارز في بناء دولته الحديثة، ثم يختم بجملة معبّرة «ضيّعنا جزءاً مهماً من شعب العراق».

اليوم تعاد نكبة التهجير للفلسطينيين من جديد والرابح هم اليهود.