«مَنْ عَضَّ عَلَى شِبْدِعِهِ أمِنَ الآثامَ» والمقصود بالشبْدِع، كما هو واضح، اللسان، أو قيل: «من عَضَّ على لسانه أمِنَ عقوبَةَ الإثم وجَزَاءه»، وهي الحكمة المنسوبة إلى الخليفة علي بن أبي طالب، كرّم الله وجهه، ورضي عنه.
الحكمة تشير إلى فضل حفظ اللسان عن الخوض فيما لا يَعني الإنسان، أو فيما يجرّ عليه الآثام، وحين يقال: فلان عَضَّ على لسانِه، فهو كناية عن الإمساك عن الكلام والتحكم فيه، وعدم إطلاقه في الغيبة والنميمة، أو في قول الباطل، فآفات اللسان كثيرة، وهو أكثر ما يقود إلى الإثم.
وهناك حديث نبوي شريف يحذّر من زلات اللسان، قيل فيه: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»، وحديث آخر قال فيه، صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ سَبْعِينَ خَرِيفًا»، وهناك رواية مشهورة لمعاذ بن جبل، عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم: «يَا نَبِيَّ اللهِ وإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ، إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟».
وهناك أقوال وحكم عن حفظ اللسان، منها: «إذا تم العقل نقص الكلام»، وفعلاً، فإن كثرة الكلام من دون فائدة لهي دليل على نقص في كمال العقل، وقيل: «ما على وجه الأرض شيءٌ أحوج إلى طول حَبسٍ من اللسان»، وقيل: «احذر لسانك أيها الإنسان، لا يلدغنك إنه ثعبان، فكم في المقابر من صريع لسانه، كانت تهاب لقاءه الأقران»، و«حَتْفُ الرَّجُلِ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ».
فمن كثر كلامه كثر سقطه، ومن سَرَّه أن يَسلم، فليلزم الصمت، فإن المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، وإن كلمة الحكمة خير من ألف كلمة من غير حكمة، وإن اللسان سَبُعٌ، إن أطلقته أكلك.
وهذه كلمات تؤكد أن الكلمة أسيرة للإنسان قبل أن ينطق بها، وإن نطقها فقد صار أسيرها:
* اِحْفَظْ لِسَانَكَ لاَ تَقُلْ فَتُبْتَلَى، إِنَّ البَلاَءَ مُوَكَّلٌ بِالمَنْطِقِ.
* وَزِنِ الكَلاَمَ إِذَا نَطَقْتَ فَإِنَّمَا القَولُ المُلَفَّظُ كَالنَّبْلِ المُوَجَّهَةِ.
* إِنَّ اللِّسَانَ لَهُ حَدَّانِ يُؤْذِي بِهَا، يُؤْذِي الصَّدِيقَ وَيُؤْذِي مَنْ تُعَادِيهِ.