في أغلب المؤسسات والهيئات الحكومية، تشكّل اللجان التنفيذية القلب النابض للإدارة، مثل لجان تعيينات، ترقيات، تحقيق، مشتريات، ولجان فنية ذات أثر مباشر في سير العمل.

والفكرة الأساسية من وجود هذه اللجان هي تجسيد العدالة من خلال المشاركة، بحيث يتحول القرار من اجتهاد فردي إلى رأي جماعي يستند إلى اللوائح والضوابط والقوانين، ويهدف إلى خدمة المصلحة العامة. وهذا الدور حين يُمارس بنزاهة يصنع بيئة عمل راقية، ويعزّز الثقة بالمؤسسات. 

غير أن الواقع في بعض الأحيان قد يبتعد عن هذا الهدف النبيل، إذ تتحول بعض اللجان إلى مسرح للأهواء، تُدار فيه الأمور بأجندات شخصية أو تصفية حسابات أو رغبة في التعطيل أكثر من الإصلاح. وبالرغم من وجود منظومة قانونية متينة، فإنه لا توجد حتى الآن نصوص صريحة مفعّلة تُلزم أعضاء اللجان بتحمّل التبعات القانونية بصورة فردية لقراراتهم إذا خالفت اللوائح أو أبطلتها المحاكم. فتقع المسؤولية على الجهة الإدارية ككل، لا على الأفراد الذين اتخذوا القرار، فيتحمّل المال العام أثر الأخطاء أو الاجتهادات غير الدقيقة. وإحساس بعض الأعضاء بأنهم بمنأى عن المحاسبة قد يجعل التجاوزات تتكرر، فكما يُقال: مَن أمِن العقوبة أساء الأدب، ومن هنا يبرز تساؤل منطقي ومشروع: هل يمكن تعزيز جودة القرار داخل أي لجنة لو شعر العضو أن مسؤوليته الشخصية قائمة عند ثبوت تجاوز واضح للوائح أو إساءة استعمال السلطة؟ 

Ad

المنظومة القانونية الكويتية تمتلك من المبادئ ما يكفي لسد هذه الفجوة، ف «قانون الخدمة المدنية» ينص على مسؤولية الموظف التأديبية عند مخالفة القواعد أو إساءة استعمال السلطة، و«القانون المدني» يقرر أن من يُحدث ضرراً للغير يُلزم بالتعويض. ولا يتطلب تفعيل هذه المبادئ سنّ تشريعات جديدة، بل قد يحتاج فقط الى إرادة إدارية ومؤسسية تُعيد الاعتبار للمساءلة الفردية. عندما يدرك عضو اللجنة أن قراره سيُراجع، وأن توقيعه يحمل تبعة قانونية، ستتحول العملية إلى ممارسة واعية ومسؤولة. وعندما تُفعّل المساءلة الفردية، سيتردد من يفكر في التعسف قبل أن يستخدم سلطته في غير موضعها.

ما نحتاجه اليوم هو ترسيخ ثقافة مؤسسية تؤمن بأن الشفافية ليست رفاهية، وأن الرقابة الذاتية جزء من المهنية، وأن العدالة الإدارية تتحقق عندما يدرك كل صاحب قرار أن المسؤولية لا تضيع داخل الجماعة، بل يتحملها كل فرد بوعيه والتزامه. فالمؤسسات القوية تُبنى بالثقة، وتتعزز بالمساءلة، وتنهض بالشراكة الصادقة بين الضمير والقانون.