أثناء محاولتي هذا الشهر إقناع شركة سيتي سكيب بجعل الكويت محطة سنوية ضمن جولتها العالمية لأكبر المعارض العقارية، جلست على طاولة تفاوض مع نائب الرئيس التنفيذي. سألني: «هل هناك شركات تطوير عقاري في الكويت؟».أجبته بثقة: نعم، فنحن روّاد الصناعة في الخليج. شركاتنا كانت أول من شيّد برج سيارات متعدد الأدوار، وأول من أطلق مركز تسوق داخلي في المنطقة. ابتسم ثم سأل: «وماذا تبيع هذه الشركات للأفراد؟».فأجبته: لا شيء، فهي تبني لنفسها. تعجّب وقال: «لم أفهم!».قلت: ببساطة، في الكويت لا نملك منتجات سكنية معروضة للأفراد كما هو الحال في بقية دول العالم. فاعتدل في جلسته وحدّق في عيني قائلاً: «ومن يوفّر السكن للمواطنين والمقيمين إذاً؟».أجبته: الدولة تتكفل برعاية مواطنيها، أما الوافدون فقد قُيّدت قدرتهم على تملك العقار بشكل كبير.ابتسم بسؤال قصير: إلى متى؟، قلت له: يبدو أن قواعد اللعبة بدأت تتغيّر، والحكومة أخذت تتخلى تدريجياً عن عبء الرعاية المباشرة، لتسلمه شيئاً فشيئاً إلى القطاع الخاص. عندها اقترح أن يزور الكويت لمقابلة الشركات العقارية والبنوك للاطلاع على رؤيتها، فرتبنا جولة شملت أهم الأسماء في السوق.ومن خلال تلك اللقاءات، لمسنا حماساً واضحاً من القيادات لفكرة «المطور العقاري» ودوره في تحريك الاقتصاد وإنعاش السوق. غير أن هذا الحماس كان مشوباً بالشك: هل ستتحرك الحكومة بسرعة لإقرار التشريعات؟ وهل ستثبت الفكرة جدواها المالية لكل الأطراف؟إنني على يقين بأنه لا يوجد سوق في العالم تتكفل فيه الدولة وحدها بتوفير الرعاية السكنية الكاملة لمواطنيها. ومع تزايد عدد السكان، بات من الضروري إعادة النظر في هذا النموذج. فبدلاً من أن تكون الدولة راعياً متكفلاً بالكامل، يجب أن تتحول إلى راعٍ مساهم، يدخل في شراكة مع القطاع الخاص لبناء مدن سكنية عصرية وجميلة، لا مجرد مجمّعات إسكانية أسمنتية تفتقر للنسق والجمال.نحتاج إلى مدن تحافظ على شفرة معمارية موحّدة، تُعيد الاعتبار للفراغات العامة، وتحيل تلك الكتل الرمادية إلى بيئات خضراء نابضة بالحياة.الخاتمة:اعتقوها... وفكوا رقبتها... فإن القبض بيدكم عليها أوهن معصمكم، وخنق رقبتها.
Ad