من بين كل الساسة الذين عرفهم الصحافيون وكتبوا عنهم، يبقى ديك تشيني حالة فريدة: رجل لا يكترث بما يُقال عنه، ولا يتأثر بضجيج الرأي العام. كان يعرف تماماً ما يؤمن به، وما يريد، ومن هو. هذه الثقة الصامتة كانت سلاحه الأشد فاعلية.
كان يردد مقولة أحبها: «لن تقع في المتاعب بسبب شيء لم تقله». عبارة منسوبة إلى سام رايبيرن، لكنها صارت نهجه الدائم. لم يكن يحب المقابلات، خصوصاً حين يكون هو موضوعها، ومع ذلك سمح لي ذات مرة أن أرافقه في طائرته «إير فورس تو» متجهين إلى سياتل. قال لي بهدوء مدروس: «في تجربتي، الذين يتركون أثراً حقيقياً هم الذين يحتفظون بآرائهم لأنفسهم. لا يبحثون عن الأضواء، ولا يطاردون الفضل».
ثم أضاف بابتسامة بالكاد تُرى: «ليست مسألة استراتيجية، بل طريقتي المريحة في العيش».
ذلك كان أقرب ما اقترب تشيني من الحديث عن ذاته، وأبعد ما يكون عن الاعتراف. لم يملأ الصمت بأحاديث صغيرة أو مجاملات سطحية. في لحظة نادرة، قال إن الصحافة تغيّرت:
«صارت مؤسسة مختلفة. من الصعب أن تُصلح قصة سيئة أو تصحح خطأ. لا أحد يعود ليتحقق من الدقة. وهذا محبط».
ثم سكت. ذلك الصمت الذي كان يملأ الغرفة أكثر من أي كلام.
لم يكن تشيني كثير الكلام، لكنه كان يعرف قيمة الصمت، وقيمة أن تترك للآخرين عناء التفسير. رجل لا يسعى إلى أن يُحَب، بل إلى أن يُفهم - وربما لم يُفهم يوماً تماماً.
فديك تشيني، ببساطة، لم يكن يتحدث كثيراً... لأنه لم يكن بحاجة إلى ذلك.
* مارك ليبوفيتش