اللغة العربية غنية بمفرداتها، بل هي الأغنى بين سائر لغات العالم، وما زاد غناها تقعرات لكلمات عربية أشكلت حتى على أبنائها، وعلى المتبحرين فيها وفي مفرداتها. بعض المتقعرين تحوَّلت حواراتهم إلى طرائف لا تزال تُتداول حتى يومنا هذا، وحتى يومنا هذا لابد لمتمكن يريد فك رموزها وطلاسمها أن يستعين بقاموس أو معجم.

أشهر هؤلاء المتقعرين هو أبوعلقمة النحوي، لاستخدامه مفردات عربية غريبة، الله وحده أعلم من أين أتى بها، فهي لا تزال حتى يومنا هذا عصية علينا، ورُويت عنه حوارات طريفة مع أشخاص لم يستطيعوا فك طلاسم ما قاله، ويبدو أنه هو الآخر واجه مَنْ ينافسه فيها.

وقد روي أنه كان عند أبي علقمة النحوي غلام يخدمه، فأراد الدخول في بعض حوائجه، فقال له: يا غلام أصقعت العتاريف؟ فقال له الغلام: زقفيلم، فسأله أبوعلقمة: وما زقفيلم؟ فردَّ الغلام: وما معنى صقعت العتاريف؟ قال: أصاحت الديوك؟ فقال الغلام: وأنا قلت: لم يصح منها أحد.

Ad

وحصل أن دخل أبوعلقمة على «أعين» الطبيب، فقال له: أمتع الله بك، إني أكلت من لحوم هذه الجوازل، فطسئت طسأة، فأصابني وجع بين الوابلة إلى دأية العنق، فلم يزل ينمي حتى خالط الخلب، وألمت له الشراسيف، فهل عندك دواء؟ قال أعين: خذ حرقفاً وسلقفاً فزهزقه ورقرقه واغسله بماء روث، واشربه بماء الماء، فقال أبوعلقمة: أعد ويحك عليّ، فإني لم أفهم عنك، قال له أعين: لعن الله أقلّنا إفهاماً لصاحبه، ويحك، وهل فهمت عنك شيئاً مما قلت؟

وحصل أن مر أبوعلقمة على عبدين حبشي وصقلبي أي من صقلية، فإذا الحبشي قد ضرب بالصقلبي الأرض، فأدخل ركبتيه في بطنه وأصابعه في عينيه، وعضّ أذنيه، وضربه بعصا، فشجّه وأسال دمه، فقال الصقلبي لأبي علقمة: اشهد لي، فمضوا إلى القاضي، فسأله: بمَ تشهد؟ فقال أبوعلقمة: أصلح الله القاضي، بينا أنا أسير على كودني، إذ مررت بهذين العبدين، فرأيت هذا الأسحم قد مال على هذا الأبقع، فمطأهُ عل فدفدٍ، ثم ضغطه برضفتيه في أحشائه، حتى ظننتُ أنه تدعّج جوفه، وجعل يلج بشناترهِ في حجمتيه يكاد يفقؤهما، وقبض على صنارتيه بمبرمهِ، وكاد يجذّهما جذّاً، ثم علاه بمنسأةٍ كانت معه فعفجه بها، وهذا أثر الجريال عليه بيّناً، فقال القاضي: والله ما فهمت مما قلت شيئاً، فقال أبوعلقمة: قد فهّمناك إن فهمت، وأعلمناك إن علمت، وأدَّيت إليك ما علمت، وما أقدر أن أتكلم بالفارسية، فحاول القاضي أن يفهم كلامه حتى ضاق صدره، ثم كشف عن رأسه، وقال للصقلبي: شجني خمساً، واعفني من شهادة هذا.

فمَنْ أراد منكم فهم ما قرأه، فليستعن بالله، أو بالعم «غوغل»، دون أن ينسى أن ينوّرنا بما استعصى عليه وعلينا.