توجد أدوات عديدة لقياس درجة حرارة الجو، تُسمَّى موازين الحرارة، وهي التي تقيس مُعدَّل السخونة والبرودة في الجو، وأشهرها الزئبق، المعروف باسم مقياس الحرارة الأقصى، وهو الأبسط والأكثر استخداماً، فهو يعتمد على المبدأ الأساسي، المتمثل في أن السوائل تتمدَّد عند تسخينها، وتتقلَّص عند تبريدها.
لكن مشكلة هذه الموازين أنها تُحوِّل درجة الحرارة إلى رقمٍ حسابي، وليس إلى وصفٍ حسي. فقد تكون درجة الحرارة في مسقط 33 °C، لكن الإحساس الواقعي بالجو قد يصل إلى 43 °C! وقد شهدت هذا الشيء بنفسي. لهذا يمكننا القول إن ميزان الحرارة العادي سيُعطينا رقماً صحيحاً، ويترك لنا التكهن بالشعور الفعلي!
ابتكر مركز الأرصاد الجوية طريقة أفضل لقياس درجة الحرارة الفعلية، التي يشعر بها الإنسان، حتى يقدموا لنا أقرب وصف لحالة الطقس الحقيقية، وهذا مجهود رائع يُشكر عليه. فقد استطاعوا أن يوفقوا بين سرعة الرياح وركودها، ومقدار رطوبة الجو، ويستخرجوا حساب المحصلة النهائية لدرجة الحرارة الفعلية، التي يشعر بها جلد الإنسان، وهو ما يُسمَّى «Feels Like». فهي باختصار كيف يشعر بها الإنسان، لا كيف يقرؤها الجهاز.
أعجبني مبدأ «القياس الحسي» أو «القراءة الواقعية للمكان» في عالم الأرصاد الجوية. وكُنت أتساءل: هل لدينا قراءة واقعية للقياس العملي، كأداء الموظفين في وزاراتهم، مثلاً؟ أم مازلنا متمسكين بأدوات قياس لا ترصد لنا الواقع، ولا تقرأ الحالة كما هي؟
إن تطبيق نظام البصمة في المؤسسات الحكومية ينبغي أن يكون أداة لحفظ حق الموظف، وتوثيق حضوره فقط، لا وسيلة للرقابة المُفرطة والتنظيم الجامد، ويجب ألا يتحوَّل إلى ضريبة تُقتطع من راتب الموظف بسبب السهو أو النسيان! وهذا مما يُضعف روح المبادرة لدى الموظفين المتميزين، الذين يُظهرون التزاماً واضحاً بأعمالهم، ويُسهمون بفاعلية في تطوير الأداء المؤسسي، فمن المناسب أن يُكتفى معهم ببصمة واحدة مرنة، تُراعي ظروف العمل، وتمنحهم مساحة من الثقة، وحُرية التنسيق مع زملائهم وتوزيع المهام. فالثقة هنا ليست تنازلاً عن الرقابة، بل هي اعتراف بجدارة الموظفين وكفاءتهم، وتشجيع لهم على الاستمرار في العطاء والبذل لخدمة المواطنين.
لهذا نستطيع القول إن «جهاز البصمة لا يقرأ البصمة!»، أي أنه لا يستطيع أن يقرأ الأثر الإيجابي الذي يتركه الشخص في المكان، ولا يستطيع أن يقرأ هوية عطاء الموظف، ولا مقدار الإنجاز الذي يترجم في ميدان العمل، إن كان على هيئة فكرة مبتكرة، أو مبادرات تطويرية ترفع من كفاءة الأداء المؤسسي، أو كان مجهوداً إضافياً خارج أوقات العمل.
فما فائدة حضور الموظف المهمل، الذي لا يُبالي ولا يهتم، صاحب المزاج العكر، والطبع العسر، والوجه العبوس، الذي لا يحترم وقت المراجعين، ولا يُراعي ظروفهم، ولا يهتم بإنجاز معاملاتهم؟!
صحيح أن جهاز البصمة سجَّل حضوره رسمياً بامتياز، من الساعة 7:45 إلى 1:45، لكن فعلياً، أو بلغة الأرصاد الدقيقة، «it feels like nobody›s here».