في واحدة من أكثر لحظات الأدب الأميركي صدقاً وجرأةً، وصفت الروائية الأميركية الراحلة توني موريسون العنصرية بأنها ليست مجرد رأي جاهل أو تحيّز فردي، بل نظام معرفي كامل يفرض على ضحاياه أن يعيشوا في حالة دائمة من الشرح والدفاع عن وجودهم.فبدلاً من أن يكتبوا ويبدعوا ويبتكروا، يُستنزفون في إثبات إنسانيتهم ذاتها.
في لقاء نُشر في مجلة نيويوركر قبل وفاتها عام 2019، تحدثت موريسون بمرارة العارف وخبرة المجرّب: «العنصرية ليست فقط ظلماً اجتماعياً، بل سرقة للوقت وللطاقة وللمعنى».وقالت إن هذا النظام المريض يُبقي الناس بعيدين عن عملهم الحقيقي، ويحوّلهم إلى أسرى في معركة عبثية لا تنتهي، لأنه «سيكون هناك دائماً شيء آخر» يُطلب منهم إثباته.
منذ تأسيس الولايات المتحدة، كان التمييز العرقي جزءاً بنيوياً من بنيتها القانونية، فقانون الهجرة لعام 1790 سمح بالتجنيس للمهاجرين البيض فقط، في حين لم يعتبر السود مواطنين كاملي الأهلية، حتى لو وُلدوا على أرض البلاد. لم يتغير ذلك إلا في عام 1868 حين أُقر التعديل الرابع عشر للدستور، مانحاً السود حق الجنسية والمساواة أمام القانون.
ومع ذلك، بقيت تشريعات الفصل العنصري، المعروفة باسم قوانين جيم كرو، قائمة عقوداً طويلة، من منع التعليم المختلط إلى حرمان السود من استخدام وسائل النقل أو دخول مطاعم البيض، واستمرت تلك الممارسات حتى كُسرت على أيدي مناضلين أحرار وتدخُّل حاسم من المحكمة العليا الأميركية التي أعادت الاعتبار لمبدأ المساواة أمام القانون.
لقد كانت الولايات المتحدة «وعاء صهر» لا «وعاء قهر»، على الأقل حين التزمت بروح مؤسساتها، لا بسياسات هيمنتها الخارجية، فالقوة الحقيقية لأي دولة عظمى لا تأتي من قدرتها على فرض إرادتها على الآخرين، بل من قدرتها على احتواء التنوع واحترام الإنسان أيّاً كان أصله أو لونه.
وعبارة «وعاء الصهر» لا تقتصر على التجربة الأميركية وحدها، بل تمتد لتشمل كل دولة أدركت أن المواطنة المتساوية ورفض التمييز هما أساس الازدهار والاستقرار، فالأمم التي تتصالح مع تنوعها هي وحدها القادرة على العبور إلى عالم الحضارة بثقة وعدل.