لماذا مرتزقة الكتابة في الجرائد لا يتوقفون عن «ضرب الطار بالمقلوب» لأصحاب القرار في قضايا الجنسية وتسويغ سحبها في حالات، أو في تقرير ميزات وأفضليات وظيفية لشرائح من حملة الجنسية دون غيرها في حالات أخرى؟
لقد أصبح المشهد اليومي مليئاً بأصوات تتعالى دون مضمون، وأشخاص يلهثون خلف الأضواء، ولو كان الثمن هو التفريط في قيمة الصدق أو النزاهة الفكرية.
في الواقع، إن كثيراً من هؤلاء يظنون أن التصفيق الدائم يضمن لهم مكانة مرموقة، غير مدركين أن القيمة الحقيقية لا تأتي من تكرار الشعارات أو مداهنة ذوي النفوذ، بل من الموقف الصادق والجرأة على قول الحقيقة.
ما حاجتهم إلى هذا النفاق والتزلف؟ أحوالهم المادية والاجتماعية معقولة وجيدة، وبعضهم لديهم مناهل كثيرة تصب في حسابات أرصدتهم البنكية. هم أفضل «مادياً»، بكثير من أغلب المنسيين والمنسيات في دنيا «من صادها عشى عياله»، هم أفضل بحكم المصادفات التاريخية واستغلال الفرص التي وفّرتها الثروة النفطية المفاجئة لكسب الأموال السهلة، وليس بعبقرياتهم ولا مساهماتهم في بناء تاريخ وطنهم.
لماذا إذاً هذا التملق والتماهي مع الأقوياء حين يؤدون خدمات «العجاف» دون أن يطلبها منهم أحد؟ ربما حب الظهور والبروز الاجتماعي هو السبب، وهم بذلك يرضون غريزة «الأنا» وغرورها، فأنا أكتب إذاً أنا موجود، حتى لو كان ما سطروه خواء لا معنى له، غير أنه يجد صداه عند المرضى النفسيين المتعالين الذين هم على شاكلتهم.
لماذا لا يتأملون ويتفكرون قليلاً قبل أن يزجوا بأقلامهم في صخب الكلمات المطبوعة في الزوايا الصحافية، وكأن عندنا بالفعل صحافة هنا أو في معظم بلاد العرب أوطاني؟ هل يظنون بأنفسهم أنهم مثقفون؟ يمكن، المثقف ليس من نقش كلمة وكلمتين في صفحات إعلامية، وإنما هو مَن يلتزم بفكره ومواقفه بقضايا الناس المهمشين والمحرومين، هو بعبارات إدوارد هو ذاك الذي يطرح أسئلة محرجة، «وأن يكون فرداً يصعب على الحكومات أو الشركات أن تستقطبه، وأن يكون مبرر وجوده نفسه هو تمثيل الأشخاص والقضايا التي عادة ما يكون مصيرها النسيان أو التجاهل أو الإخفاء...».
ضاربو الدفوف في أوطاننا لم تحاول الحكومات ولا الشركات استقطابهم في الأغلب، هم يقدمون أنفسهم للخدمة المجانية، هم دائماً في خدمة الفراغ والخواء، هم بناء عالٍ من التفاهة مرسومة بكلمات مطبوعة يرافقها إعلان تجاري.