كتب الإسباني لكالديرون، عام 1673، مسرحية رمزية عن الإنسان تبدأ خلال الفترة التي تلي خلق الله تعالى للكون، فنرى نزاعاً بين العناصر الطبيعية الأربعة، الماء والهواء والنار والتراب، ولا يُحسم النزاع في النهاية إلا بقدوم «الحكمة»، و«القدر» و«الحب»، إذ يتفق الجميع على أن ينتظروا خلق كائنٍ جديدٍ يُعهد إليه بأن يكون سيّداً في هذا الكون، ويُعطى هذا الكائن من كل عنصر من هذه العناصر الأربعة جزءاً من خصائصها.

وهكذا يظهر هذا المخلوق الجديد... (الإنسان)، فتظهر معه عناية الله، فنرى شعاعاً باهراً من النور يغمر الأفق، مما يُوجب على الإنسان أن يتبعه بكامل حرّيته وإرادته حتى النهاية في مسيرة حياته، وإلى أن ينتهي به المطاف إلى دخول الفردوس، ويملؤه دخولُه إلى الفردوس عجباً وإعجاباً، ويُبهر عينيه ما يرى من أضوائه، وأذنيه ما يسمع من موسيقى سماوية رائعة، وتأتي العناصر الأربعة لتمنحه كل شيء، فتُلبسه أفخر الثياب، ثم يقدّم له «الماء» مرآة يطالع فيها صورته فيعجب بنفسه أشد العجب، ويدخل الغرور إلى قلبه، إذ يرى نفسه أكمل المخلوقات.

Ad

***

ثم يأتي «الظلام» و«الخطيئة»، وهما مخلوقان لحديثهما طلاوة وإغراء، فيزيّنان للإنسان أكل الفاكهة التي حُرّمت عليه، فتوافقهما «الإرادة»، وتدفع به إلى ذلك «الحرية»، لكنّ الفهم يحذّره، إلّا أن الإنسان يضيق ذرعاً من تحذير «الفهم»، ويلقي به من قمة الجبل، فيرتكب «الخطيئة»، فيحدث صراع بين الخطيئة والظلام والحكمة والإرادة والحرية، وهنا يظهر الشعاع الرباني في النهاية لحسم الأمور، لتنتصر «الحكمة»... وهكذا تنتهي المسرحية الرمزية التي اختصرتُها لكم بطريقة مكثفة جداً!

***هذا عمل مسرحي كُتب بطريقةٍ رمزية، ليناقش خلق الإنسان منذ عدة قرون، وجعل من هذا الإنسان محوراً لهذا الكون، ووظّف جميع المفردات التي تحرّك غرائزه بحيث تقوم بمهامها... ولكن كل ذلك تحت الشعاع الرباني الذي بدأ بخلق هذا الكون، وهو الذي سيُنهيه وفق مشيئته جلّ وتبارك.