من الملاحظ في الخطاب العام الكويتي أن هناك عقدة مزمنة تجاه كلمة «تاجر»، وكأنها مرادفة للفساد أو الجشع أو استغلال النفوذ. هذه النظرة ليست وليدة اليوم، بل نتيجة تراكمات طويلة من سوء الإدارة الاقتصادية، وغياب العدالة في توزيع الفرص، وتداخل المال بالسياسة في مراحل حساسة من تاريخ الدولة. إلا أن تعميم الاتهام على جميع التجار هو خطأ اجتماعي واقتصادي جسيم، لأن الاقتصاد الوطني لا يقوم إلا على شراكة حقيقية بين الدولة والقطاع الخاص.
التاجر الشريف ليس خصماً للمجتمع، بل شريك له في التنمية. هو من يغامر برأسماله، ويخلق فرص عمل، ويستثمر في الداخل حين يهرب غيره من المخاطر. والمجتمع الذي يشيطن التجارة يخسر قدرته على إنتاج طبقة منتجة، ويستبدل ثقافة العمل والإبداع بثقافة الشكوى والحسد. لكن بالمقابل، لا يمكن الدفاع عن التاجر بلا ضوابط. العدالة الاقتصادية لا تتحقق إلا حين تكون المنافسة نزيهة، والقانون حاكماً، والضريبة أداة تنظيم لا عقاب. فالضريبة ليست خصماً من رزق الناس، بل هي وسيلة لضمان توازن العلاقة بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة. هي حماية للمجتمع من الاحتكار والتهرب، وحماية للتاجر من منافسة غير عادلة ومن اقتصاد ريعي يعتمد على العلاقات والنفوذ بدلاً من الكفاءة والعمل.
المجتمعات التي تقدمت لم تفعل ذلك بكراهية الأغنياء، بل بتنظيم الثروة وتوزيعها بشكل عادل. الضريبة هناك ليست جريمة، بل عقد اجتماعي متوازن: من يربح أكثر يساهم أكثر، ومن يساهم أكثر يحظى بحقوق أكبر في الرقابة والمساءلة. هكذا تُبنى الشفافية، وتستعاد الثقة بين المواطن والسوق والدولة. في الكويت، نحتاج إلى تجاوز عقدة التاجر، ونفهم أن المال المشروع هو قوة وطنية، وأن تشجيع رأس المال المنتج لا يعني تطبيع الفساد أو إلغاء العدالة. المطلوب هو إصلاح اقتصادي صادق، يفرض الضريبة لا كعقوبة، بل كأداة لحماية الدولة والمجتمع والتجار من أنفسهم. الضريبة العادلة هي بداية الطريق نحو عقد اجتماعي جديد، قائم على المشاركة لا الاتهام، وعلى الشفافية لا السرية، وعلى المصلحة العامة لا الخصومة. الضريبة ليست تجريما للتجار، بل حماية للوطن من اختلالاته.