بينما كنت أسير فجراً على شاطئ البحر، رأيت زجاجة تطفو مع الأمواج، ظننتها سمكة نافقة أو قطعة قمامة، لكن الزجاجة حملتها الأمواج وتدحرجت بين قدمي، كانت محكمة الإغلاق، ثقيلة، كما لو أن أحداً أرسلها عن قصد، وفي داخلها ورقة مطوية، أنقل لكم مضمونها كما وجدتها دون تحريف، على أمل أن أجد تفسيراً لهذا اللغز.
(نص الرسالة)
ابني العزيز،رأت عيونك النور منذ ثلاث سنوات، وستكبر وتقرأ رسالتي يوماً ما، ولأننا نمر بمرحلة شديدة التعقيد لا أعلم متى ستُفرج، أردت أن أدوّن لك هذه الأفكار لتعلم من أين جئت، ولتعرف أصلنا وواقعنا الجميل.
تربينا على علاقة طيبة وحميمة بين الحاكم والمحكوم. بيننا مودة ومحبة واحترام، صيغت في بيانٍ عظيم اسمه الدستور.
وهو الحكم بيننا، ويحكم علاقتنا، ورغم ما نعانيه من تجاوزات أحياناً، إلا أنه صمام الأمان وركيزة وجودنا.
علاقة المواطن برجل الأمن علاقة محبة وعِشرة، محكومة بالثقة لا الخوف.
المجتمع يفاخر بديرته، ويُميز نفسه عن جيرانه في المنطقة، رافعاً رأسه عالياً بحريته وديموقراطيته ونهضته، الحريات مكفولة، دواويننا برلمانات صغيرة نشطة، وصحافتنا منابر حرة، لنا ولإخواننا العرب.
ثقافتنا مزدهرة، وإصداراتنا سفراؤنا لكل مكان، «العربي» و«عالم المعرفة» و«من المسرح العالمي» في كل بيت عربي. مسارحنا عامرة، وموسيقتنا صادحة، تعليمنا متين، تربية وتثقيف وتدريب، رياضتنا صاعدة، ونأمل الوصول لكأس العالم.
المشاريع النهضوية على قدمٍ وساق، للتو افتتحنا أبراج الكويت، وفزنا بجائزة العمارة الإسلامية، مبخر ومرش ومكحلة، صممها سويديون ونفذها يوغسلاف*، نتعاون مع الشرق والغرب. نعم، نحن منارة الخليج، وكويتنا بلاد العرب وكل الأجناس.
هنا يجالس التاجر رجل الدين، ورجل الدين يحتسي قهوته مع سيدة أعمال أجنبية. هنا أهل البادية يمازحون أبناء الديرة والعكس صحيح. نختلف، نعم، لكننا لا نتخاصم، نستمع قبل أن نحكم على بعضنا، وخلافاتنا تشبهنا: بسيطة، واضحة، شفافة، بلا كراهية.
أتمنى أن تكون هذه الكلمات البسيطة مرجعاً لك، ولجيلك من بعدك، وأن تزيدوا إشعاع هذا البلد الجميل، رغم قسوة الأيام التي نمر بها. والحافظ الله.
والدك كاف
... هكذا تنتهي الرسالة التي وصلت إلي عبر الأمواج، رسالة وطنية وأبوية في آنٍ واحد، رسالة مفعمة بالأمل... وبعد البحث والتحري تبين لكاتبكم أن هذه الرسالة سُطرت على يد المواطن كاف عام 1980، أثناء أول حل غير دستوري لمجلس الأمة وتعليق بعض مواد الدستور...**
والمعنى في قلب الزجاجة.
******
* أبراج الكويت من تصميم مكتب Lindström الهندسي السويدي وتنفيذ شركة يوغوسلافية، افتتحت عام 1979، وفازت بجائزة الأغا خان للعمارة الإسلامية عام 1980.
** تم أول حل غير دستوري لمجلس الأمة وتعليق بعض مواد الدستور بين 1967 - 1981م.
كاتب ومخرج مسرحي