كتاب زهرة العمر لتوفيق الحكيم صدر في الأربعينيات، وهو عبارة عن رسائل موجهة لصديقه الفرنسي أندريه، تكاد لا تخلو رسالة من دروس مستفادة أو تصوّر لمشهد أو معلومة عن كتاب. بين تلك الرسائل والسطور ذكر الجمل التالية «إني في عرف القانون محام»، «أستعد للتقدم لامتحان الدكتوراه في القانون إرضاء لأهلي». كان توفيق يعشق الأدب والفن ولكن رغبة عائلته خالفت ذلك حتى اضطر في البداية لمسايرتهم. بعثه والده لاستكمال دراسة القانون في فرنسا ولكن عبث، وتوجه بعد ذلك بشكل رسمي للأدب والفن.
وهنا تمعنت بمختلف الأجيال، من منكم لاحظ تدرج ميول طلبة الثانوية العامة؟ هناك جيل معظمه اختار تخصصه بناء على توجيه العائلة، وجيل بناء على الشغف والرغبة، وآخر وهو ما نشهد عليه مؤخرا بناء على كم الراتب. الأول إذا كان التوجيه بناء على معرفتهم لميوله فالناتج مرض، أما إذا كان للتباهي بشهادة الابن فهذا كارثة. الثاني هو الأصح، فمن لا يحب ما يدرس أو يعمل لن ينجو. أما الثالث فلا يختلف عن الأول كثيرا، حيث بإمكان الطالب أن يجتاز التخصص في سنوات قليلة، ولكن كيف لذات الشخص أن يعمل في مجال لا يحبه لسنوات طويلة جدا؟ الإنتاج غالبا سيكون محدودا، والإبداع طبيعي سيكون معدوما، فالشعور بالملل أثناء ممارسة ما لا يحب مؤكد.
ولكم بتوفيق الحكيم خير مثال، أبدع بكتاباته بعيدا عن تخصصه، وانظروا لمحيطكم لا محالة ستجدون من أمثاله كُثر. ما الذي اختلف؟ طبيعة تفكير كل جيل؟ أم الظروف سيدة الموقف؟ ختاما، تمعنوا مع أنفسكم، ما السبب وراء اختياركم للتخصص؟ وتذكروا لم يفت الأوان للبدء من جديد.