لنكمل بعض الملاحظات على اللقاء المهم لوزير الداخلية، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الشيخ فهد اليوسف مع رواد ديوانية أحد المواطنين:

نعرف أن في تاريخنا وقائع ثابتة عن تجار من عائلات كريمة سافروا للهند والبصرة، وبعضهم استقر هناك وكوَّنوا ثروات، ربما كانت كبيرة نسبياً في زمنهم، وتبرعوا لأعمال الخير في الكويت، مثل تأسيس المدارس وغيرها، فهل يمكن أن نتخيل، مثلاً، أن الإدارة الهندية- والهند مستعمرة بريطانية- وتاج تلك الإمبراطورية لثراء خيراتها أن تقول لهذه الأسر التجارية: لولا خيرات الهند لما جئتم فلا يحق لكم البقاء هنا؟!

تاريخ الإنسانية أن يبحث الناس عن أرزاقهم وأمانهم في كل أصقاع العالم... يهربون من مجاعات أو غياب أمن واضطهاد ديني أو عرقي. كيف أُسست الولايات المتحدة؟ بل كيف تكوَّن هذا المجتمع الكويتي ثم خلقت الدولة كهوية قانونية وسياسية؟ ألم يكن من هجرات مستمرة من نجد وأرض الرافدين وفارس وبعض الأقاليم الأخرى؟!

Ad

كذلك لنا أن نقول إن مَن اكتسب الجنسية سابقاً وفق بند الأعمال الجليلة كان وفق أمر من أعلى سلطة، كان المعيار للعمل الجليل هو رؤية الأمير وتقديره لهذا العمل، واستقرت الأمور حينها وخلقت بالتالي مراكز قانونية لمن كسبوا الجنسية في ذلك الزمن واستقرت أحوالهم، بعضهم وبعض أجيالهم أثروا الدولة بعلمهم وخدماتهم. طبيعي أن يستحقوا مقابلاً لعملهم وجهدهم، فهل يجوز بعد عقود وسنوات طويلة أن نفاجئهم بسحب الجنسية، ونقول لهم لولا النفط ما جاءت أسركم أساساً؟!

 إذا كان هناك واسطة واستغلال سلطة في بعض الحالات، كثيرة كانت أم قليلة، فليتم أولاً محاسبة تلك الفئة تحديداً، ولا يصح معاقبة الجميع بجريمة أفراد تعرفهم وزارة الداخلية جيداً. قاعدة قانونية وإنسانية مهمة تقول «إفلات عشرة مجرمين من العقاب خير من إدانة بريء».

هناك أيضاً ملاحظة نتذكرها بأنه عندما سُحبت جنسية بعض الفنانين، وكان تعقيب الشيخ فهد ذلك الوقت هو: ماذا قدم هؤلاء من خدمات جليلة؟ أصحاب الفن قد يكونون أكثر تضحية من العديد من مدعي الوطنية، الشهيد الشاعر الغنائي فايق عبدالجليل والملحن الشهيد عبدالله الراشد... ألم يكونا من أهل الفن؟ ألا نتذكر ذلك «الزري المنثور» على ثوب هذا البلد، ثم نثر عبدالله روحه للسماء من أجل الوطن؟

هل هكذا يتم الاستثمار في الإنسان؟ ماذا كسبت الدولة بعد سحب جناسي أفراد استثنائيين في علمهم وثقافتهم وعطائهم وأنفقت عليهم ملايين الدنانير في تحصيلهم، بينما تنابلة السلطان المحرضون على التفرقة بين أهل وطن واحد يجلسون خلف مكاتبهم وكراسيهم لا عمل ولا هدف لهم غير العزف بالكتابة المريضة على أوتار التعصب وكراهية بقية مواطنيهم ليس بسبب أصولهم المدعاة بل لمصادفة أنهم من سلالة المادة الأولى؟ عيب عليهم... الكويت ليست كعكة كلما بترنا من عدد المتحلقين حول المائدة زاد نصيب القلة المحظوظة، هذا وطن بذاكرة محفورة عميقاً في أرواح أهله...