بعيداً عمَّا تضمَّنته هذه المقولة العربية المشهورة من واقعةٍ مختلف على حدوثها وفي تفاصيلها، لكنها تذكِّرني بواقع حال اليمن، فمنذ حوالي عقد ونصف العقد من الزَّمن، والبلد يعيش ما بين الشَّقاء والجفاء، وتحديداً منذ عام 2011م، والذي كان فيه أحد مسارح مشروع الرَّبيع أو الخريف العربي. فما إن جاء هذا العام المشؤوم حتى حظي أحد أبنائه بتكريمٍ دولي كبير. قد يتساءل المرء عن فحوى هذا التكريم، وعن توقيته، بل ولماذا من اليمن، خلافاً للدُّول العربية الأخرى التي كانت هي أيضاً داخلةً في هذا المشروع الغريب، شكلاً، ونوعاً، وكمَّاً، وكيفاً، عن واقعنا العربي بشكلٍ عام؟!
كل هذه الأسئلة تبحث عن إجابةٍ واحدة فقط، ربما لا غير، تتمثل في أن هذا الإنجاز أو التكريم سيفرح به جميع اليمنيون، بمختلف مشاربهم وأطيافهم، نظراً لأهميته، التي تتجاوز رفع اسم البلد عالياً، لتصل إلى الدَّفع به أكثر نحو اللحاق بركب الشُّعوب والبلدان المتطورة، ولكن هيهات! فالمُكرَّم بها مُدلج، والجائزة بقدر ما هي تكريمية، إلا أنها كانت مدفوعة الثَّمن، الثَّمن الكبير والكثير من دماء وآلام وأحزان اليمنيين، ومَنْ يُرد أن يُنكر ذلك، فليتفضل ويستقرئ الحال اليمني كيف كان، وكيف أصبح!
صحيح أن اليمن لم يكن دولةً متطورةً حتى نتباكى على خراب مالطة، لكنه كان على أقل القليل دولةً قائمةً بحدِّ ذاتها، لها مؤسساتها، وكيانها، واسمها يُحترم ويُقدَّر في المحافل الإقليمية والدولية، هذه الدولة تُقدِّس الإخاء والعيش المشترك مع محيطها، وتسعى للصَّداقة مع مختلف دول العالم، وتحافظ على أقل القليل من عناصر وجودها وشكلها وبُنيانها... فإذا كانت تُوصف حينذاك بدولةٍ فاشلة، فبالله عليكم ما هو الوصف الجدير بها في هذه الحالة القائمة حالياً؟!
وبالتالي لم تعد جائزة نوبل للسلام الدولي ذات جدوى أو ذات صفة مميزة حتى يتفاخر بها اليمنيون، كما تتفاخر الدول بحصول أبنائها على جوائز دولية عديدة، وأبرزها جائزة نوبل، ذات التفرعات المختلفة، في الاقتصاد، والسياسة، والأدب، والعلوم... وغيرها. فقد جعلت الاحتفاء بهذا النجاح أو التكريم ممجوجاً، بل ويتحوَّل إلى جدلٍ كبير واستياءٍ عميق، وصراعٍ في العقليات والرُّؤى، وتنابذٍ في الأطروحات والأفكار، وكأن الفرح بهذا الإنجاز جاء بنتائج عكسيةٍ تماماً، ليس على صاحبها، بل على المجتمع اليمني برمته، فالشخص المُكرَّم بها ناله حظ كبير من مغريات الحياة، فغادر البلد، ولم يعد يهمه من أمره شيئاً، اللهم إلا عند الوصول إلى الحزب أو الطائفة التي جاء منها أو يمثلها، فعندها تنبري التصريحات الممجوجة والكلمات المُطوَّلة والكذب السياسي المُلقى على عواهنه، وغيرها، فيما لم نرَ في الأُفق طرحاً من قِبل هذا الفائز لأي مشاريع أو مبادرات للسلام اليمني، الذي بات عصياً وصعباً في هذه الفترة العصيبة من تاريخ اليمن، بل أصبح هذا «النُّوبلي»، ولا يزال، هو أحد مُوقدي الصِّراع ومُشعليه بين الحين والآخر، فكلما اتفق اليمنيون على إتاحة الفرصة لإحلال السلام بين أبنائه، تقافزت إلى الأفق كل الأضداد لهذا الأمر، وعلى رأسهم الفائز بجائزة نوبل للسَّلام في عام 2011م.
ليتساءل المرء حول ما فحوى الفوز بهذه الجائزة الدُّولية الكبيرة، التي أصبحت لعنةً على اليمن واليمنيين، بل وطالت العديد من الدول التي لم تسلم من أذيتها أيضاً، فالسعودية، ومصر، والإمارات، والمغرب، وليبيا، وسورية... وغيرها من الدول الشقيقة والصديقة قد نالها الكثير والكثير من هذا «النُّوبلي». فبالله عليكم، كيف مُنحت هذه الجائزة، ولماذا، بل وما هو رصيد الفائز بها حقيقةً من مشاريع السلام؟!
أسئلة شتى والجواب واحدٌ، يبدو أن «وراء الأكمة ما وراءها!»، وأن اليمن هو براقش التي جنت على نفسها، وكأن التاريخ يُعيد نفسه، بل أصبح حلقةً دائريةً ضاع فيها كل شيءٍ جميل.
* صحافي يمني