في حُب مروان نتحدَّث، وعن أي حُب؟ مروان يعرف تاريخه، ويعتز بجماله، نظرة واحدة منه كفيلة بأن تجعلك صريع الهوى والغرام، هو الذي أتعب مَنْ بعده، وغيَّر كل المقاييس. ما إن تراه إلا وستقول كما قال المتنبي يوماً: «وما كنتُ أحسبُ أني أراك، فأبصرُ فيك الذي كنتُ أسمعُ».. حين سألت: هل ستبيعون مروان يوماً؟ كانت الإجابة بحزم: «كأنك تسألين، هل تبيعون الوطن؟!». وبودي أن أسترسل في كلمات الحُب، لكن... «ورانا قبايل».
وحتى تتضح الصورة لكم، فإن مروان هو حصان عربي أصيل يعرف تاريخه. أتحدَّث عن مروان الشقب، حين تراه في مضمار الشقب بالدوحة، تُدرك أنك أمام كائن يحمل ذاكرة المكان وهوية بلدٍ في ملامحه.
وُلد مروان عام 2000، ومنذ أن ظهر في البطولات تغيَّر مفهوم الجمال العربي.
لم يكن حصاناً يتباهى بوقفةٍ أو لون، بل برؤية كاملة لتربية الخيول العربية الأصيلة في قطر، رؤية جمعت بين الأصالة والعلم، بين التراث والإدارة الحديثة، لتجعل من «الشقب» واحداً من أهم مراكز الفروسية في العالم، ليس مجرَّد مركزٍ لتربية الخيول، بل مشروع وطني تأسس عام 1992 على يد سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ليكون بيتاً يحفظ الخيل العربي، لا في الصور، بل في الواقع، فهو مؤسسة متكاملة تمتد من ميادين التدريب إلى معامل الجينات، عياداته البيطرية تُعد من الأفضل في العالم، وأحواض العلاج المائي فيها تُستخدم لتأهيل الخيول بطريقة إنسانية وآمنة، حتى تصميمه المعماري على هيئة «حدوة حصان» يختصر فلسفته. ومن رحم هذه البيئة خرج مروان، ليُصبح أكثر من بطل، تحوَّل إلى رمزٍ حيّ لاستمرارية السلالة العربية، وترك أثراً في كل ميادين الفروسية حول العالم، فأحفاده اليوم ينتشرون بأوروبا وأميركا والخليج، يحملون في دمائهم توقيع «الشقب»، ومعه هوية قطر التي لا تفرِّط في جماله ولا بتاريخها. وفي هذا المكان الذي تسكنه البركة، تتذكَّر قول النبي، صلى الله عليه وسلم: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة».
فكأن الشقب يترجم هذا الحديث في كل تفاصيله، إذ لا يرى في الخيل وسيلة سباق، بل هو رمز للخير والبركة والعزَّة الممتدة من جيلٍ إلى جيل.
حين رأيت أم مروان أو أم الأبطال، كما يسمونها، وقد تقدَّم بها العُمر، تُعامل برفقٍ واهتمام كما تُعامل الأمهات في البيوت الكريمة، فهمت أن الأصالة هنا لا تنحصر في الدم والسلالة، بل في الأخلاق التي تكرِّم العطاء حتى بعد نهايته.
في الشقب، الحفاظ على السلالة العربية الأصيلة ليس شغفاً بالخيل فحسب، بل حماية لجزءٍ من روح أو ذاكرة وتاريخ العرب أنفسهم.
فالخيل العربية وُجدت لتعلِّمنا معنى العزَّة والمهابة والشموخ، وتعرف جيداً قيمتها أينما وُجدت، ولا يعرفها إلا النبيل.
ولأنها في الشقب، فهي في المكان الذي يليق بها حقاً... بين أيدٍ تحفظ أصالتها، وتقدّمها للعالم كما هي: جميلة، نبيلة، وعربية، حتى آخر نبضةٍ في صهيلها.
ومَنْ يصون الخيل العربي، يصون إرثاً ارتبط بالخير إلى يوم القيامة.
ومَنْ يرى مركز الشقب، يرى وجهاً من وجوه هذا الخير الذي لن ينقطع ما دامت الخيل العربية الأصيلة تركض على أرض العرب.
ختاماً:
كُنتُ في جولة بالمركز ترافقني فارسة أميركية جاءت خصوصاً لمشاهدة الشقب، وكانت الدهشة لا تفارق ملامحها. في كل خطوةٍ كانت تردِّد بإعجاب: «واو، ما هذا الجمال!». وبالطبع لم أسمح لها بمغادرة المكان إلا بعد أن قُلت لها: «please say MashaAllah».
* يُنشر بالتزامن مع صحيفتَي سبق السعودية والشرق القطرية