رائعة هي اللحظات التي تؤكد لنا أن ما كتبناه لم يكن عبثاً، أو من باب «المجاملة الإعلامية» أو «رفع العتب»، بل لأننا نؤمن بأن هناك طاقات ومواهب حقيقية قادرة على تمثيل الكويت في المحافل الدولية، متى ما تم توفير الحد الأدنى من الدعم والرعاية، وأن المطالبة بالاهتمام بالرياضة النسائية لم تكن مجرد «كلام جرايد»، بل ضرورة وطنية ملحة. وها هي البطلة الشابة ياسمين وليد تثبت اليوم، وبقفزة واحدة، ما عجز عنه الكلام لسنوات، بعدما أهدت لألعاب القوى الكويتية أول ميدالية ذهبية نسائية في تاريخها الآسيوي، ضمن دورة الألعاب الآسيوية الثالثة للشباب في مملكة البحرين. لحظة تاريخية صنعتها فتاة بمجهودها، لتسجل اسمها في سجل الإنجازات الذي طالما انتظرناه طويلاً.
لكن، وكما تعودنا مع كل إنجاز كويتي، يبقى السؤال: وماذا بعد؟ هل سنكتفي بصورة في الصحف ووسم «فخر الكويت» في منصات التواصل الاجتماعي؟ أم سنبدأ فعلاً بالتفكير في كيف نُحوِّل هذه الموهبة من ميدالية آسيوية شبابية إلى إنجاز عالمي؟ وهل سنؤمّن لها بيئة رياضية متكاملة، ومعسكرات خارجية، وربما احتراف تدريبي في مدارس عالمية، أم ننتظر حتى تختفي في زحمة الإهمال، وتُدفن موهبتها في أوراق النسيان؟
الميدالية الآسيوية إنجاز يستحق أن يتحول إلى مشروع وطني متكامل. موهبة مثل ياسمين، يجب ألا تذوب وسط الروتين، أو تنشغل لاحقاً بتأمين مستقبلها على حساب حلمها، فهي - كغيرها - لن تنتظر طويلاً حتى يخبو الحماس وتبدأ ضغوط الحياة، كما حدث مع كثيرين غيرها، وهنا يظهر الدور الحقيقي للمؤسسات الرياضية، والهيئة العامة للرياضة، واللجنة الأولمبية، واتحاد ألعاب القوى، فالواقع يقول إن كثيراً من شبابنا برزوا في عمر مبكر، ثم اختفوا لأنه لا أحد أمسك بأيديهم نحو الطريق الصحيح. لأن الطموح وحده لا يكفي، والقدرة على الفوز تحتاج إلى نظام ومتابعة واحتراف، لا استقبال وتكريم وانتهاء.
بنلتي
ياسمين لم تقفز فقط فوق العارضة، بل قفزت فوق الإهمال، فوق قلة الإمكانيات، فوق التجاهل الطويل لرياضة المرأة، وبدأت بكتابة التاريخ من الباب العريض، قفزت إلى الذهب، ورفعنا رؤوسنا معها للحظة... فهل نقفز معها نحو مستقبل مشرق؟ أم نعيدها إلى الأرض وحيدة ونكتفي بالتصفيق من المدرجات، ثم نعود لاحقاً لنتحسر على «موهبة ضاعت»؟ الكرة - أو لنقل «الذهبية» - الآن في ملعبكم يا مسؤولين.