الدولة المعاصرة أضحت دولة مؤسسات بشكل تلقائي، فلم تعد أي دولة اليوم قادرة على الوقوف على أرجلها ولا أن تصلب عودها ما لم ترتكز على مؤسسات نظامية تنفيذية وإدارية وفنية، حتى تتمكن من القيام بواجباتها وتنمية الدولة وبما يعود على شعبها بالعيش الكريم والحياة المستدامة بالأمن والرفاهية.

ولعل حسن طالع الكويت أنها بدأت التحول للدولة العصرية المؤسسية منذ بدايات تحولاتها السياسية إلى دولة دستورية منذ عشرينيات القرن الماضي، ومضت نحوه بشكل جلي في ثلاثينيات ذلك القرن، ثم حدثت النقلة النوعية لدولة المؤسسات مع تولى الشيخ عبدالله السالم للحكم عام 1950 حتى أُرسيت دعائم الدولة المؤسسية في الخمسينيات، ليكتمل بناء دولة المؤسسات وتستقر أركانها مع صدور الدستور الدائم في 11 نوفمبر 1962.

ومنذ ذلك الحين ولجت الكويت في نمط الدولة الحديثة ببنائها السياسي ومنظومتها المؤسساتية بتميّز فريد ومؤسسات راسخة إطارها هوية وطنية وركائزها مؤسسات سياسية وتنفيذية ورقابية وفنية وتنموية واجتماعية واقتصادية.

Ad

ولعل جولة في كنف المنظومة القانونية وعلى رأسها دستور 1962 وفي معيته القوانين الأساسية والتنظيمية تعطي صورة تكاملية عن كويت دولة المؤسسات المعاصرة.

ولعل إطلالة سريعة على بدايات النمط المؤسسي بالدولة نستحضره معاً في عهد المغفور له الشيخ أحمد الجابر- رحمه الله - عام 1921، حينما شكل أول مجلس شورى في الكويت، ولحقته مؤسسات الإدارة اللامركزية محلياً ومرفقياً بإنشاء البلدية والمجلس البلدي ومجلس المعارف ومجلس الأوقاف وغيرها من المجالس في الفترة من 1930 حتى عام 1938، وبعدها بدأت تتوسع مظاهر مؤسسات الدولة ومرافقها، وكذلك إنشاء المدرسة الأحمدية إلى جوار المدرسة المباركية، وبما في ذلك ترتيبات القطاع النفطي والشركات النفطية.

وحين تولى المغفور له الشيخ عبدالله السالم - رحمه الله - مقاليد الحكم طور من دولة المؤسسات بإنشاء الدوائر الحكومية، التي هي وزارات اليوم، مثل دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل، والمعارف، والصحة، والإنشاء، والتخطيط، والأوقاف، ومجلس الإنشاء واللجنة التنفيذية، والمجلس الأعلى الذي يمثل مجلس الوزراء، ورافق ذلك إنشاء مكتب الاستثمار في لندن، وتوقيع اتفاقية مع ملكة بريطانيا تمنح أملاك الكويت المستثمرة من العوائد النفطية حصانة سيادية، وفي عام 1954 صدرت «كويت اليوم» التي شكلت نقلة نوعية مؤسسيا وتنظيمياً ودستورياً، حيث صدرت في الفترة من 1954 حتى 1961 أهم القوانين التي تشكل البنية التشريعية حتى يومنا، ثم وضع دستور فترة الانتقال في يناير 1961، وتوجت كل تلك الجهود بصدور دستور الكويت الدائم في 11 يناير 1962 والذي أوجد البنية المؤسسية المتكاملة في الدولة، الأمير، وتنظيم آلية ومؤسسية الحكم، وتوارث الإمارة، وطبيعة مكانة سمو الأمير كونه رئيس الدولة، وصلاحياته الدستورية التي تجاري أحدث الدول، وأوجد سلطات ثلاث تنفيذية: مجلس وزراء، وتشريعية: مجلس أمة، وقضائية: محاكم لتنظيم متكامل بكل درجات التقاضي، وفي معية ذلك ديوان الرقابة المالية والبنك المركزي والنيابة العامة والمؤسسات العامة المركزية واللامركزية وفقاً للمادتين 73 و133 من الستور، ومحكمة دستورية وفقا للمادة 174.

وقد نجحت الكويت بفضل الله وحكمة أمرائها وتعاضد شعبها في كل المراحل وحتى اليوم في أن تحقق النقلة المرجوة لدولة الدستور والمؤسسات، وهي الأمانة التي يتحمل جيلنا الحالي وجيل الأبناء من أهل الكويت الأصليين صونها وتطويرها وتنقيتها من كل المثالب والشوائب بما يعود على الكويت وأهلها بالخير والأمن والاستقرار في ظل قيادة صاحب السمو- حفظه الله وأمد بعمره - وبمعية أخيه ولي العهد - حفظه الله.