لقاء النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الشيخ فهد يوسف الصباح مع رواد ديوان أحد المواطنين مهم، وقد نقلت الصحف مضمون اللقاء، الذي أثار فيه الشيخ فهد الكثير من القضايا الملتصقة بهموم المواطنين وغيرهم في هذا الزمن. نختلف مع الشيخ فهد ونلتقي معه في أمور أعرضها كالآتي:
يرى الوزير أن الأعمال الجليلة التي بموجبها تُمنح الجنسية حسب المادة الخامسة يُفترض أن تُحصر فيمن قدموا تضحيات للكويت، مثل الشهداء ومَن في حكمهم، أما الذين كسبوها من مدنيين وموظفي شركات وغيرهم فقد كانت دون وجه حق. والسؤال هنا: لماذا تم تحديد مفهوم الأعمال الجليلة بتلك الصورة الضيقة؟ فالعبارة جاءت بصورة مطلقة في المادة الخامسة، وممكن تصور أي عمل يخدم الوطن بأي شكل كان، حتى ولو كان بمقابل يتلقاه صاحبه، من الأعمال الجليلة، فالطبيب الذي يعالج المرضى ويفني عقوداً من عمره من أجل أهل البلد، وقد يوفر على الدولة مئات آلاف الدنانير للعلاج في الخارج وقررت السلطة يوماً ما منحه الجنسية حسب القانون، ألا يعد ذلك من الأعمال الجليلة؟! يمكن قياس الكثير مما يمكن عده من الأعمال الجليلة واعتبرها صاحب القرار أنها كذلك، سواء كان أصحابها من أهل الفن الذين أدخلوا الضحكة والفرحة في قلوبنا المتعطشة للبهجة والبسمات العابرة، أو من غيرهم. ما الضير في كسبهم وإثراء الوعاء الوطني بهم وبغيرهم ممن استقروا في البلد عقوداً وخدموا الوطن في أي مضمار: الطب، والقانون، والأدب، وأهل الفكر والفن، والجيش، والشرطة؟! ينبغي أن نعيد النظر في تعريف الأعمال الجليلة بحيث يشمل كلَّ من أسهم في بناء المجتمع الكويتي وأثر بشكل إيجابي في تطوره، بغض النظر عن نوع الخدمة أو المقابل الذي تلقاه. إن تكريم أصحاب الإنجازات يجب ألا يقتصر على التضحيات الكبرى فحسب، بل يجب أن يمتد ليشمل الإسهامات العلمية، والثقافية، والاجتماعية التي تعزز مكانة الكويت وتحقق رفاهية المواطنين. فالتقدير الحقيقي يتجلى في الاعتراف بجهود جميع أبناء الوطن والمقيمين الذين بذلوا جهدهم بإخلاص في سبيل البلاد.
خذوا مثلاً المرحوم فخري شهاب، فقد كان هذا الإنسان خلف فكرة إنشاء الصندوق الكويتي للتنمية، وأيضاً مكتب الاستثمار في لندن، وعملة الدينار. فخري شهاب جاء من العراق، وعمل هنا بعد حصوله على الدكتوراه من «أكسفورد». حصل على الجنسية بإرادة أميرية من الراحل الأمير جابر الأحمد، فهل لو كان حياً، يا ترى ماذا سيكون وضعه؟ غير فخري شهاب كثيرون خدموا وقدموا لهذا الوطن، هل كنا نتوقع منهم أن يعملوا وينتجوا من باب الصدقات أو أن يقدموا عملهم كما لو كانوا آلات ميكانيكية يعملون بعد تزويدهم بالطاقة المادية ولا شيء غير ذلك، فلا مكان للتقدير الروحي كأن نبعث لهم كلمة شكر بصورة هوية انتماء لوطن يشكرهم؟
مؤكد أن البشر أينما كانوا وفي كل الحقب التاريخية يرتحلون ويستقرون في أي مكان يجدون فيه الرزق والأمن، وإذا كانت الثروة النفطية وما توفره من دخول سهلة – ولا توجد ثروات طبيعية دائمة- هي السبب للهجرة إلى الكويت في عقود مضت فلا ينتقص هذا من شأنهم، أي الذين قدموا للكويت في الخمسينيات والستينيات وما بعدها، فهم بحاجة للرزق مثلما البلد بحاجة لهم ولعطائهم... ما الضير في ذلك؟ وهل يجب أن نحاسبهم لأنهم كانوا يتقاضون مقابلاً مادياً؟!
صحيح «الأعمال الجليلة» كما قال الشيخ فهد في أحايين كثيرة أضحت وسيلة للارتزاق ومنفذاً سهلاً للواسطة والمحسوبيات لكسب الجنسية، لكن هل يعني ذلك أن نقيس كل ومعظم من كسبها في ذلك الزمان بمسطرة واحدة، وكأننا أمام سرير العملاق بروكرست...؟ للحديث بقية مع لقاء مهم للشيخ فهد اليوسف.