معظم الدول «السنعة» تنفق على التعليم بحدود 3 أو 5 في المئة من حجم الميزانية. السويد الأكثر إنفاقاً في العالم تنفق نحو 8 في المئة. الكويت محشورة ضمن النسب العالية، لكن معظم الإنفاق على التعليم يذهب للرواتب والأجور، جهاز إداري ضخم مترهل، بيروقراطية إدارية رهيبة لا تقدم ولا تؤخر، وزارة التربية حالها من حال بقية الوزارات ربما أكثر من غيرها من وزارات «تعال باجر» وحملات تطويق أمنية تعاني بطالةً مقنعةً، والغد ليس ببعيد، سيكون هناك بطالة حقيقية حين تقذف الجامعات بمئات آلاف الخريجين والخريجات الذين لن تجد لهم الحكومة الوظيفة، ولا يوجد قطاع خاص يمكن أن يستوعبهم، فمخرجات التعليم «سماري» لا علاقة لها بحاجة السوق، فالحكومة بدورها تستحوذ على الأرض والثروة، تعطي مَن تشاء وتحرم مَن تشاء «كيفها».
سنغافورة، وهي المثال الفذ للتنمية الذي علينا أن ننظر إليه، تنفق على التعليم في حدود خُمس ميزانية الدولة، هذا الإنفاق لا يذهب للأجور والمرتبات، وإنما لهدف ثابت واضح، يأتي من وضوح الرؤية لمَن أسس هذ المدينة الدولة «لي كوان يو» أو «هو»، الإنفاق يحوَّل معظمه لتنمية المهارات وتشجعيها، (المصدر ويكيبيديا). كل سنغافوري (سنغافورية) يبلغ من العمر خمسة وعشرين عاماً تعطيه الحكومة 370 دولاراً شهرياً مقابل المهارات المستقبلية، هذا الاستثمار الحقيقي في الإنسان، وليس في محاربة الإنسان ودفن أصحاب المهارات والكفاءات.
بفضل ثقافة وجهد «لي كوان» الذي حدد أولويات الدولة وشرع أولاً في محاربة الفساد بالإدارة التي عجزت الإدارة الاستعمارية البريطانية عن تطويقه، ثم توجه للتعليم وليس أي تعليم وإنما «خلق المهارات» وبناء أفضل الكليات والجامعات التكنولوجية في العالم، كان يحدد الأهداف ويعمل لتحقيقها، لا يوجد نفط، ولا توجد ثروات طبيعية، أرض مستنقعات تحوم فيها أسراب البعوض، وفي سنوات قليلة ومن غير تغيرات وزارية كل سنة ونصف السنة في المؤسسة التعليمية، قفزت هذه الدولة إلى مصاف الدول المتقدمة وبمعدل دخل فردي من أعلى المعدلات في العالم.
مرة ثانية وثالثة وللمرة الألف، الاستثمار كان في الإنسان، الاستثمار كان ومازال في تحقيق الإنسان المنتج بمهارات فنية متقدمة، عندهم كانت الرؤية واضحة وهي خلق صاحب الكفاءة والجدارة وليس نفيه. هي مسألة ثقافة ووعي في الإدارة... هذا المطلوب.