تشير تحرُّكات الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال الأشهر الخمسة الماضية إلى أن واشنطن لم تعد تُولي لعلاقتها مع الهند أهمية تُذكر. فبينما قد يبدو التشكيك في قيمة الهند كقوة موازنة للصين مفهوماً في ضوء الفارق الاقتصادي الهائل بين الجارتين الآسيويتين، تبقى نيودلهي قوة لا يمكن تجاهلها على امتداد أوراسيا، ومن مصلحة الولايات المتحدة الحفاظ على روابطها معها.
لكن العلاقات الثنائية شهدت هذا العام تدهوراً حاداً. فمنذ أغسطس، فُرضت على الصادرات الهندية إلى الولايات المتحدة رسوم جمركية بنسبة 50 في المئة، وهي من الأعلى على الإطلاق. وهاجم مسؤولون في إدارة ترامب الهند علناً، فيما كرَّر الرئيس القول إنه توسَّط لوقف إطلاق النار بين الهند وباكستان في مايو الماضي، وهو ادِّعاء محرج لرئيس الوزراء ناريندرا مودي، الذي نفاه تماماً.
كما أثار ترامب غضب الرأي العام الهندي، باستضافة الحاكم الفعلي لباكستان، المشير عاصم منير، مرتين في البيت الأبيض، ثم فرض رسماً قدره 100 ألف دولار على تأشيرات العمل الجديدة من فئة H-1B، ما يضرب بشدة شركات التكنولوجيا الهندية، إذ يشكِّل الهنود نحو 70 في المئة من حاملي تلك التأشيرات سنوياً.
أمام هذا المشهد، تساءل أحد البودكاستات السياسية الهندية الشهيرة: «هل لدى الهند أي أوراق لعب؟». وفي الولايات المتحدة، حمَّل معظم المعلقين المسؤولية لاندفاع ترامب وتقلبه، معتبرين أن تفضيله لباكستان، الشريك الوثيق للصين، أمر يناقض المنطق ويقوِّض 25 عاماً من الدبلوماسية الأميركية في جنوب آسيا.
غير أن الهند تتحمَّل جانباً من المسؤولية. فمنذ التسعينيات، سمحت باتساع الهوة الاقتصادية بينها وبين الصين، نتيجة إصلاحات اقتصادية بطيئة ومترددة. ففي عام 1980 كان الناتج المحلي للبلدين متقارباً، أما اليوم، فاقتصاد الصين، البالغ 19.4 تريليون دولار، يفوق نظيره الهندي بنحو خمس مرات. هذا الفارق جعل واشنطن تشكك في قُدرة الهند على موازنة الصين، بل وفي مدى استعدادها لمساندة أميركا إذا اندلعت مواجهة مباشرة معها.
إضافة إلى ذلك، فقدت الهند كثيراً من مؤيديها في الغرب، بسبب امتناعها عن إدانة غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022، وزيادتها مشتريات النفط الروسي بأسعار مخفضة. كما تبنَّت دبلوماسية متعالية تُرضي جمهورها المحلي، لكنها تنفِّر العواصم الغربية.
ومنذ تولي مودي الحُكم عام 2014، تراجعت تصنيفات الهند الديموقراطية، نتيجة نزعة حزب بهاراتيا جاناتا القومية الهندوسية، وعدائه للمسلمين والمسيحيين، فضلاً عن التضييق على منظمات المجتمع المدني. وقد نفَّر ذلك جزءاً كبيراً من الحزب الديموقراطي الأميركي، الذي كان يرى في الهند نموذجاً للتعددية والديموقراطية. أما في أوساط الجمهوريين، فقد أثار سوء استخدام الشركات الهندية لتأشيرات H-1B رد فعل سلبياً ضد الهجرة الهندية.
كما أن الخطاب القومي الصاخب في الإعلام الهندي بشأن باكستان، والذي يخلط بين الحقائق والخيال، جعل من السهل على واشنطن تجاهل مخاوف نيودلهي المشروعة.
ورغم كل هذا، لا يبدو من الحكمة أن تُدير واشنطن ظهرها للهند. فالتبرير بأن الرسوم الجمركية عقوبة على شراء النفط الروسي لا يصمد، إذ لم تُفرض عقوبات مماثلة على الصين التي تشتري كميات أكبر من النفط الروسي.
ورغم تفوق الصين الاقتصادي، تبقى الهند لاعباً مهماً في آسيا، ومن المتوقع أن تتجاوز ألمانيا، لتُصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم عام 2028، وفق صندوق النقد الدولي. كما أن ثروتها من المهندسين، ودورها كمستورد رئيسي للنفط والسلاح، يجعلانها جائزة جيوسياسية لا يجوز التفريط بها. ورغم عيوبها، تبقى ديموقراطيتها أكثر حيوية من معظم جيرانها.
كما كتب والتر راسل ميد، فإن الهند لا تزال راغبة في التعاون مع ترامب. وسيكون من الخطأ الفادح ألا يغتنم هذه الفرصة.
* ساداناند دومِه