كخدمة مجتمعية قام بنك الكويت الوطني- مشكوراً- بالتبرُّع لتجديد وتطوير الواجهة البحرية المقابلة لشاطئ الشويخ، لتتحوَّل إلى حدائق مفتوحة، ولتكون متنفساً جميلاً للعائلات ورواد البحر. 

لكن ما شهدناه- للأسف- بعد يومٍ واحد فقط من الافتتاح، كان صادماً ومخزياً في آنٍ واحد، أكوام من النفايات تُعطي انطباعاً غير حضاري عن سلوكيات المقيمين على أرض الكويت من مواطنين ومقيمين، على حدٍّ سواء. 

هذا المشهد لا يُسيء لواجهة البحر فحسب، بل يُسيء لسُمعة الدولة، ويعكس ثقافة تحتاج إلى وقفة صادقة مع الذات. 

Ad

إن نقد الذات والاعتراف بالمشكلة «فضيلة»، وهو أول الطريق نحو أي إصلاحٍ أو تقويم. فكثيراً ما نُردِّد بفخر أن «النظافة من الإيمان»، وأن «الطهارة» أساس العبادات وصلاح النَّفْس، لكن: هل نحن فعلاً من الأمم التي تُترجم هذا الإيمان إلى سلوك يومي في الشارع أو المكان العام؟ 

يقول الكاتب الياباني نوبوأكي نوتوهارا، الذي عاش بين العرب ما يقارب الأربعين عاماً، في كتابه (العرب من وجهة نظر يابانية): «العرب نظيفون جداً داخل بيوتهم، لكن ما إن يخرج الواحد منهم من عتبة بيته حتى ينسى النظافة تماماً. فالشوارع مليئة بالأوساخ والأنقاض، وكأن النظافة شأن شخصي داخل البيت فقط، وليست سلوكاً عاماً يشمل الحياة المشتركة». 

أتفق معه تماماً، فالمشهد المؤسف بعد افتتاح شاطئ الشويخ ليس استثناءً، بل هو تكرار لما نراه في شواطئ أنجفة والبلاجات والحدائق العامة. يكفي أن تدخل دورات المياه العمومية في الطُّرق السريعة أو الأسواق، وأحياناً حتى المساجد، لتدرك حجم التراجع في مستوى النظافة العامة، ولا أظن أن أحداً راضٍ عمَّا يرى! 

في كثير من المجتمعات العربية، تُعد الممتلكات العامة «ليست ملكاً لأحد»، فلا يشعر الفرد بمسؤولية حقيقية تجاهها. ويبدو أن كل محاولات تهذيب هذا السلوك عبر تربية الأهل، وتعليم المدارس، وحتى التوجيه الديني، لم تُثمر بعد! فما زلنا نشاهد تكرار رمي النفايات، وترك فضلات الطعام، وأنقاض البناء في الشوارع والطُّرقات والأماكن العامة.

إن هذه السلوكيات الخاطئة، التي ترسَّخت عبر الزمن، لن تُصحح بمجرَّد النُّصح والتوعية أو اللافتات الإرشادية، بل تحتاج إلى قوانين صارمة وغرامات مالية رادعة، مع متابعة دقيقة من أجهزة البلدية، وتفعيل حقيقي لدور شرطة البيئة. كما يجب غرس ثقافة الرقابة الذاتية لدى الفرد، وتنمية شعوره بأن المكان العام ملك للجميع، وأن الحفاظ عليه واجب وطني وأخلاقي. 

لقد ساهم الاعتماد الزائد على العمالة المنزلية في ترسيخ هذا السلوك السلبي. فالخدم ينظفون كل شيء، المنزل، السيارة، المدرسة، المسجد، وحتى الشارع، مما جعل الكثيرين يعتقدون أن النظافة ليست مسؤوليتهم الشخصية، بل وظيفة الآخرين. والأسوأ أن بعضهم يتفاخر برمي المخلفات، مدَّعياً أنه بذلك «يوفر فُرصة عمل» لعامل نظافة! 

إن وجود كاميرات مراقبة في الأماكن العامة أصبح ضرورة، ليس فقط لحفظ الأمن، بل أيضاً لرصد مَنْ يُخالف قواعد النظافة. كما أن فرض عقوبات مجتمعية بديلة، كإلزام المخالفين بالمشاركة في تنظيف الأماكن العامة، إلى جانب الغرامات التصاعدية، سيُسهم في ترسيخ ثقافة الاحترام للمكان العام وجماله. 

في النهاية، النظافة ليست مجرَّد مظهر حضاري، بل هي انعكاس لثقافة الفرد والمجتمع. ولن نكون مجتمعاً متقدماً حقاً، ما لم نعامل الشارع والحديقة والمدرسة والمسجد كما نعامل بيوتنا، بل وأفضل.