للأسف يشهد السودان حرباً أهلية مدمرة لها جذور تاريخية طويلة أعاد إحياءها نظام الحكم السابق في عهد الرئيس عمر البشير، من خلال قيامه بتقسيمات إدارية تراتبية ومناطقية بناءً على خلفيات إثنية ودينية (عربي، إفريقي، مسلم، غير مسلم) مما ترتب عليه تهميش لمكونات واسعة من الشعب، وتوزيع غير عادل للسلطة والثروة.

بطبيعة الحال وكنتيجة لتلك التقسيمات الإدارية، وبعد فشل الجيش في الإدارة وتدخله في شؤون الانتخابات، أدى ذلك إلى تمرد وانشقاق قوات التدخل السريع بقيادة محمد دقلو، المعروف باسم حميدتي، عن الجيش بهدف السيطرة على مقدرات الشعب السوداني (الذهب، الأراضي الزراعية، المراعي، المعابر الحدودية).

Ad

السودان لم يتعلم الدرس ولم يستفد من الأزمات وما مر به من حروب أهلية كانت نتيجتها انفصال الجنوب عن الشمال في عام 2011 بعد حربين، الأولى استمرت من 1955 إلى 1972، وأسفرت عن مقتل نحو نصف مليون، والثانية من 1983 إلى 2005، حيث كانت أكثر دموية وتسببت في مقتل نحو 1.5 - 2 مليون، ونزوح أكثر من 4 ملايين مواطن.

السودان مسرح للتدخلات الخارجية

من المهم أيضاً الإشارة إلى أن السودان دائماً ما يعاني من التدخلات الخارجية في شؤونه الداخلية، ولولا هذه التدخلات لما انفصل الجنوب عن الشمال، ولما استمر هذا الصراع الدائر الآن من خلال تقديم الدعم العسكري والمعلوماتي والمادي الذي تتلقاه قوات الدعم السريع من دول إقليمية وعربية وأجنبية، ولما استطاع التقاط أنفاسه ولملمة صفوفه بعد المكاسب الكبيرة التي حققها الجيش على الأرض.

أيضاً لا يمكن النظر إلى هذه الانتصارات كفوز شامل وكامل إذا رجعنا إلى طبيعة حرب العصابات التي تنتهجها قوات التدخل السريع، والتي سرعان ما تتحول إلى قوات غير نظامية تتخذ من الأرياف قواعد لها، مما يجعل حياة سكان القرى أشبه بالجحيم.

الحلول السياسية المتاحة لوقف الحرب الأهلية في جمهورية السودان قد تكون صعبة، لكنها وفي المقابل تتطلب تنازلات طعمها مر كالحنظل، فضلاً عن أن وقف التدخلات الخارجية يحتاج إلى كشف الحقائق وتعرية الأطراف المعنية بتلك التدخلات، من خلال إقامة مؤتمر أممي وضمانات يتكفل بتنفيذ توصياته مجلس الأمن.

الحل السياسي عبر المفاوضات قد يبدو للوهلة الأولى واقعياً، لكنه يتطلب أيضاً تعاوناً وصدق نوايا من القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في فرض عقوبات حقيقية وحاسمة على قوات التدخل السريع التي استهدفت حياة المواطنين السودانيين ومحاكمة المسؤولين عن العنف والجرائم بحق الشعب السوداني.

في ظل هذه المعطيات فإن الحل العسكري لم يغب عن الحسابات، لكنه يتطلب تضحيات كبيرة من الشعب السوداني لتحقيق نصر ساحق على قوات التدخل السريع.

النتيجة التي يعرفها السودانيون يصفها المثل الشعبي «إللي بياكل من جسمو ما بسمن»، ومتى ما كفوا عن ذلك، ساعتها فقط يمكنهم الاستمتاع بالجلوس على ضفاف النيل وترديد أغنيتهم المشهورة «الليلة بالليل، نمشي شارع النيل، قهوة بالمزاج، أنت السكر».

ودمتم سالمين