أمامك مثال كيف تُدار الأمور بالبلد، حكاية سهلة لكنها مزعجة ومؤلمة للإنسان والتي لا يدري عنها كبار البيروقراطيين من متخذي القرارات التي تهل علينا كل يوم وتضرب من أجلها دفوف الترحيب والمباركة من أرباب النفاق والرياء في إمبراطورية «يارب لا تغير علينا»، قضية بالتأكيد لا يكترث لها الجالسون فوق كراسي الإدارة حين يصدرون الأوامر أو حين يتلقونها من الذين هم أعلى منهم في السلم الإداري السياسي، هم يسيرون حسب قاعدة «أعطنا الأمر... سننفذ» ونقطة... ماذا يحدث بعد ذلك؟ كيف تكون النهايات؟! لا يهمهم طالما أنهم يكررون كلمتي «حاضر يا افندم».
مثلاً، إدارة المرور اكتشفت فجأة أن الكثير من السيارات تقف في الشوارع الداخلية للمستشفيات في أماكن يُمنع الوقوف فيها، لذلك قررت تنفيذ القانون حرفياً بمخالفة كل أصحاب السيارات، لنضرب تحية سلام للقانون ولأهل القانون، لكن، لنتمهل ونسأل ما إذا كانت هناك مواقف متوافرة كافية في بلد السيارات المتراكبة في تلك المستشفيات العامة وخصوصاً مستشفى الصباح أم لا... الإجابة لا توجد، ويستحيل أن يجد المريض الذي جاء كي يفحص السرطان مكاناً ليوقف سيارته، فيضطر مرغماً على ركنها في أماكن ممنوع الوقوف فيها، فلم يكن لديه خيار آخر.
تأتي سيارة شرطة المرور «وتكلبج» السيارة أو تخالفها بغرامة مالية، وحين يعود المريض لسيارته يجد المخالفة تنتظره، إذا كان فرحان قبل قليل من نتيجة الفحص الطبي فلا توجد لديه خلايا سرطانية، فستتكاثر وتتفتح أزهار الموت في تلك اللحظة بعد أن شرب من كأس مرارة الإحباط بديرة «انفخ يا شريم» و«يارب لا تغير علينا»!
هل وفرتم يا «شطار» المواقف أولاً ثم حاسبتم الناس بعد ذلك على الوقوف الخاطئ؟ أم هذا ليس من شأنكم؟ في السابق وحتى اليوم، تُبنى عمارات عالية دون توفير مواقف لسكانها ومَن يزورهم، فصاحب العمارة أموره سالكة في البلدية التي فسادها ما تشيله البعارين، لا أحد يخالف بعارين البلدية ولا بعارين البيروقراطية، فهم فوق المساءلة.
يتخذون قرارات كبيرة وكارثية لأنهم وجدوا أمامهم مشكلة وأخطاء قديمة وبدلاً من التفكير الهادئ الذي يؤسس على نهج عقلاني لحل تلك الانحرافات القديمة، يتم اتخاذ قرارات ارتجالية سريعة سرعان ما تكشف لهم عن عوارها، فيتم الترقيع لحلها، لكن دون جدوى... مَن يدفع الثمن في النهاية؟!