بداية، قال الخبير والاستشاري النفطي د. عبدالسميع بهبهاني إن الاكتشافات الأخيرة للغاز في الكويت تمثل نقلة نوعية في المشهد الطاقي، إذ تشير المؤشرات إلى أن الغاز المكتشف سهل الإنتاج، نظراً لطبيعة المكمن والمخزن، ما يجعل استثماره مجدياً اقتصادياً، كما أسهمت هذه الاكتشافات في إضافة نحو 5 مليارات برميل مكافئ مثبت و15 ملياراً كمخزون محتمل، مما يطيل عمر الثروة الوطنية ويخفف الضغط عن حقول النفط الحالية، فضلاً عن تقليص فاتورة استيراد الغاز مرتفع التكلفة وإنعاش صناعة البتروكيماويات في الزور، غير أن الاستفادة الكاملة تواجه تحديات، أبرزها بطء الأداء الزمني للحفر رغم الاستعانة بمستشار عالمي، وضرورة تجنب العوائق التشغيلية خلال التطوير، إضافة إلى الحاجة لتثبيت مواقع الاكتشاف وفق قانون البحار، ومراجعة جدوى إعادة المسوحات الزلزالية في ظل المعطيات الجديدة.

واضاف بهبهاني أن الاكتشافات الغازية الأخيرة في الكويت تتميز بأنها بحرية وعميقة، وتقع ضمن مكامن عالية الضغط والحرارة (HPHT)، ما يتطلب مستوى عالياً من الكفاءة التشغيلية، ورغم ذلك فإن فكرة إنشاء كيان مستقل لإدارتها ليست ضرورية في المرحلة الحالية، إذ تمتلك الكويت خبرة تراكمية منذ اكتشاف الغاز الجوراسي قبل عقدين، إضافة إلى بنى تحتية جاهزة تشمل مراكز تجميع وتكسير الغاز المسال كمركز الزور.

Ad

وتابع: «كما أن الأصول التقنية والكوادر الإدارية موجودة ضمن منظومة مؤسسة البترول الكويتية وشركاتها التابعة، ما يسمح بإدارة التطوير الجديد بفاعلية دون الحاجة إلى تكرار الهيكل التنظيمي، علاوة على أن الغاز المكتشف موجه أساساً لتغطية الطلب المحلي، مما يجعل الحل الأمثل هو تعزيز الكفاءة داخل الأطر القائمة لا إنشاء كيان جديد».

المعطيات المتوافرة

وذكر بهبهاني أن المعطيات المتوافرة حول الاكتشاف الأخير في حقل جِزّة تشير إلى أنه اكتشاف واعد من الناحية الفنية والاقتصادية، إذ تم تحديده عبر بئرين استكشافيتين مدعومتين بخريطة جيوفيزيائية دقيقة، ويقع المكمن على عمق يقارب 14 ألف قدم ويصنف ضمن مكامن الضغط العالي والحرارة العالية (HPHT).

وأوضح أن معدل تدفق الغاز الحر يبلغ نحو 29 مليون قدم مكعبة يومياً، وهو معدل متوسط/جيد لبئر واحدة، مع إنتاج مصاحب يقارب 5 آلاف برميل برميل من المكثفات يومياً، لافتا إلى أن الغاز والمكثفات تتميز بانخفاض الكربون وخلوهما من الكبريت، مما يسهل معالجتهما، وتقدر مساحة الحقل بنحو 40 كم²، فيما يقدر المخزون بنحو تريليون قدم مكعبة من الغاز و120 مليون برميل من النفط، أي ما يعادل 350 مليون برميل مكافئ من الطاقة القابلة للاستخلاص.

وأفاد بأن الاكتشافات الغازية الأخيرة، رغم أهميتها، لن تكفي حالياً لسد كامل احتياجات الكويت من الغاز، إذ يبلغ الإنتاج المحلي نحو 1.2 مليار قدم مكعبة يومياً مقابل استهلاك يتجاوز 4.5 مليارات قدم، موزعة بين توليد الكهرباء ومصافي النفط وصناعة البتروكيماويات، وبذلك تستورد الكويت قرابة 3 مليارات قدم مكعبة يومياً بعقود مرتفعة الكلفة وطويلة الأجل.

وأردف: «لذا فإن المنطقي حالياً توجيه الإنتاج الجديد لتقليص فجوة الاستيراد وخفض الكلفة التشغيلية، وليس التوجه للتصدير، على الأقل في المدى القريب، أما مستقبلاً، وبعد تطوير الحقول وبلوغ الاكتفاء النسبي، فقد تُدرس جدوى تصدير جزء محدود لأغراض استراتيجية أو اقتصادية، لكن الأولوية الآن تبقى لتغطية الطلب المحلي وتعزيز أمن الطاقة الوطني».

استقرار العوائد

واشار بهبهاني إلى أنه في حال أثبتت الدراسات المستقبلية جدوى تصدير الغاز الكويتي، فإن الوجهة الطبيعية ستكون الأسواق الآسيوية التي تعتمد على عقود طويلة الأجل، ما يتيح استقراراً في العوائد وتخطيطاً استراتيجياً للبنية التحتية، ويتطلب التنسيق المبكر مع المستهلكين المحتملين وضع أطر تفاهم أولية تحدد احتياجاتهم المستقبلية وكميات التوريد وشروط التسعير.

وتابع: «كما يمكن من خلال هذه العقود تصميم خطوط أنابيب ومنشآت تسييل وتخزين ملائمة لالتزامات التصدير»، لافتا الى أن الجدوى الاقتصادية لن تتحقق ما لم يكن هناك مخزون مؤكد لا يقل عن خمسة تريليونات قدم مكعبة مخصصة للتصدير، لضمان استمرارية الإمدادات وعدم المساس بالطلب المحلي، وبالتالي فإن التنسيق يجب أن يبدأ تخطيطياً الآن، لكن التنفيذ مرهون بحجم التطوير والإنتاج المستقبلي.

وأوضح أن تطوير حقل جِزّة للاستفادة منه محلياً يتطلب فنياً برنامجاً مرحلياً يمتد بين 5 و8 سنوات وفقاً لحجم الأعمال المطلوبة، لافتا الى انه في المرحلة الأولى يجب أن يتم حفر من 6 إلى 8 آبار تطويرية لضمان استقرار معدلات الإنتاج، تليها إقامة مركز تجميع ومعالجة للغاز على هيئة جزيرة صناعية بحرية قريبة من الحقول المكتشفة لتسهيل عمليات الفصل والتوزيع.

وأكد ضرورة أن يكون المشروع مصحوبا بإنشاء شبكة أنابيب موجهة نحو مناطق الاستهلاك الرئيسة، مثل محطات الكهرباء ومصافي التكرير ومصانع البتروكيماويات، موضحا أن المدة الزمنية الإجمالية ستشمل مراحل التصميم الهندسي، والمناقصات، والبناء، والتشغيل التجريبي، وبذلك يمكن القول إن الاستفادة الفعلية من الحقل لن تبدأ قبل النصف الثاني من العقد القادم إذا التزمت الجهة المنفذة بالجدول الزمني وخطة التطوير المقررة.

معوقات رئيسية

من جانبه، ذكر الخبير النفطي د. خالد بودي: «لاشك في أن الاكتشافات الجديدة للغاز تدعم توجه الكويت إلى إنتاج أغلب احتياجاتها من الغاز الطبيعي، والحد من الحاجة إلى الاستيراد»، مضيفا أنه في الوقت الحاضر تستورد الكويت حوالي ٦٠% من احتياجاتها اليومية من الغاز الطبيعي، ولاتبدو أن هناك معوقات رئيسة للاستفادة من حقول الغاز الجديدة، عدا بعض الجوانب الفنية التي يمكن تجاوزها.

وأشار بودي إلى أن عمليات إنتاج الغاز التي تشرف عليها شركة نفط الكويت قد لا تحتاج إلى تأسيس كيان مستقل لها، حيث يمكن أن يتم الإشراف عليها ضمن شركة نفط الكويت، خاصة أن الاتجاه الحالي لمؤسسة البترول الكويتية هو الحد من التوسع في إنشاء شركات مستقلة لمباشرة المشاريع الجديدة أو عمليات التوسع في أعمال النفط والغاز والتكرير والأنشطة المرتبطة بها.

وتابع: «بالنسبة لحقل جزة النفطي هو حقل، كما أعلنت عنه شركة نفط الكويت، يمتد على مسافة 40 كيلومترا مربعا، وتقدر احتياطيات الغاز في هذا الحقل بحوالي تريليون قدم مكعبة، كما يقدر الإنتاج المتوقع من هذا الحقل بحوالي 29 مليون قدم مكعبة يوميا، لافتا إلى أن هذا الحقل يمكن أن يعزز إنتاج الكويت من الغاز، ويساعد على توفير إمكانيات تصديرية مستقبلا.

وأكد ضرورة أن يكون هناك تنسيق مع الأطراف التي يمكن التصدير لها مستقبلا، عند اتخاذ قرار بتصدير الغاز من الحقول الجديدة، مشددا على أنه للوصول إلى مرحلة الإنتاج من الحقول الجديدة يجب تجاوز العقبات الفنية والجيولوجية وإنشاء البنية التحتية المطلوبة للبدء في عمليات الإنتاج، موضحا أن الوصول إلى هذه المرحلة قد يحتاج شهورا أو سنوات حسب طبيعة كل حقل والإمكانيات الفنية والمالية المتاحة.

بدوره، قال الخبير والمحلل النفطي كامل الحرمي إن«الاكتشافات الأخيرة للغاز تعد في غاية الأهمية بالنسبة للكويت، خصوصا أننا نفتقر الى الغاز الطبيعي ولا يوجد لدينا حقول حرة مستقلة لإنتاج الغاز حتى الآن»، مؤكدا ضرورة الانتباه إلى أن تكون الكمية المنتجة كافية ومناسبة لمتطلبات وزارة الكهرباء.

وشدد الحرمي على ضرورة التحول فيما بعد الى صناعة البتروكيماويات، وهذا يعد امرا هاما كون الغاز يستعمل في الحرق في محطات توليد الكهرباء، والعائد الخاص من المنتجات البتروكيماوية أفضل عشرات المرات في حال توفر اللقيم الخاص بتلك الصناعة، فضلا عن أن عوائدها المالية كبيرة، وتابع:»اننا حاليا لا نحتاج إلى كيان خاص لإدارة تلك الاكتشافات الأخيرة من الغاز كون شركة نفط الكويت قادرة على القيام بهذه المهمة وتستطيع التعامل معها«.

وأردف: «اننا بحاجة إلى حقول غاز منتجة على المدى البعيد بنفس كميات الإنتاج التي تمتلكها قطر وايران وابوظبي»، مشيرا إلى أنه «حتى الآن لا توجد فكرة كافية عن الكميات المتوفرة في الحقل، ومن الصعوبة التنبؤ بمعدل الإنتاج اليومي حاليا، وهو يعد غازا حرا وليس مصاحبا للنفط، ولابد ان نعمل بصبر لمدة عام على الأقل كي نعرف إمكانية الإنتاج وتطوير هذا الحقل، وأيضا لبناء الصهاريج الخاصة بتخزين الغاز المنتج«، وأكد ضرورة الاستعانة بالشركات العالمية المتخصصة كوننا»لا نمتلك الخبرة في التعامل مع إنتاج وتطوير الغاز الحر».‏