تتوالى القرارات الحكومية في الكويت كالصواعق على المواطنين، حاملة معها تداعيات اجتماعية واقتصادية تثير القلق والاستياء. ففي سعي الحكومة لتقليص الإنفاق العام، تتخذ قرارات تفتقر إلى دراسات قانونية واجتماعية معمقة، مما يؤدي إلى المساس المباشر بجيب المواطن الكويتي. هذه القرارات، التي تتراوح بين إلغاء هيئات حكومية ونقل إلزامي للموظفين، تُنفَّذ دون النظر إلى النتائج المترتبة على الأسر الكويتية، التي تكيفت لسنوات طويلة مع مستويات دخلها.

أي اقتصادي، حتى المبتدئ، يدرك أن مثل هذه الإجراءات – كالنقل الإلزامي للموظفين أو خفض رواتبهم – لا تحقق توفيراً حقيقياً في ميزانية الدولة على المدى الطويل. فبدلاً من معالجة جذور المشكلة الاقتصادية، مثل تنويع مصادر الدخل أو تحسين كفاءة الإنفاق، تختار الحكومة الحلول السهلة التي تستهدف الموظفين مباشرة. هذا النهج يُصيب العديد من القطاعات الحكومية بما يُشبه الظلم الممنهج، حيث يتم النقل الإلزامي لموظفين إلى وظائف برواتب أقل، أو إلغاء هيئات كانت تشكل مصدر رزقهم، دون أي اعتبار للفروقات في الأجور أو الظروف الاجتماعية.

إن القرارات التي تمس دخل الأسرة الكويتية بهذا الشكل تتجاهل الواقع الاجتماعي الذي تعيشه هذه الأسر. لقد اعتاد المواطنون مستوى معيشياً يتماشى مع رواتبهم، وهم يعتمدون عليها لتلبية احتياجاتهم الأساسية، من سكن وتعليم وتكاليف معيشية مرتفعة. فكيف يمكن أن يتم النقل الإلزامي أو خفض الرواتب دون تقديم بدائل تعويضية أو خطة انتقالية تأخذ بعين الاعتبار هذه الاحتياجات؟ إن مثل هذه السياسات لا تعكس فقط غياب الرؤية الاستراتيجية، بل تُهدد الاستقرار الاجتماعي للأسر الكويتية.

Ad

يُكرس الدستور الكويتي، في مواده، أهمية الترابط الاجتماعي والعدالة كدعامات أساسية للمجتمع. ففي المادة 7، ينص الدستور على أن «العدل والحرية والمساواة هي دعامات المجتمع، والتعاون والتراحم صلة وثيقة بين المواطنين». لكن السياسات الحالية تتناقض بشكل صارخ مع هذه المبادئ، حيث تُعامل الموظفين كأرقام في ميزانية، وليس كأفراد يشكلون العمود الفقري للمجتمع. إن التلاعب برواتب الموظفين أو نقلهم بشكل تعسفي يناقض مبدأ العدالة، ويُضعف التراحم والتعاون الذي يفترض أن يسود بين الدولة ومواطنيها.

بدلاً من استهداف جيب المواطن، ينبغي على الحكومة إعادة النظر في سياساتها من خلال: إجراء دراسات شاملة على أي قرار يؤثر على دخل المواطن، إذ يجب أن يسبقه تقييم اقتصادي واجتماعي دقيق، مع مشاركة الأطراف المعنية، ويجب أن تُعلن الحكومة أسباب هذه القرارات وتبريراتها، مع توضيح كيفية تحقيقها للتوفير المزعوم، ثم إذا كان النقل الإلزامي أو خفض الرواتب أمراً لا مفر منه، يجب توفير تعويضات مالية أو برامج دعم انتقالية وقد قلنا مراراً بدلاً من الاعتماد على تقليص رواتب الموظفين، ينبغي التركيز على تنويع مصادر الدخل الوطني لتخفيف الضغط عن الميزانية.

وأخيراً نقول: المواطن الكويتي ليس مجرد رقم في معادلة اقتصادية، بل هو شريك أساسي في بناء الدولة. القرارات الحكومية التي تمُس جيبه دون دراسة كافية ليست فقط ظلماً بحقه، بل تهديداً للترابط الاجتماعي الذي يشكل أساس المجتمع الكويتي. إن الوقت قد حان لتبني سياسات عادلة ومدروسة تحترم الدستور وتضع مصلحة المواطن في صلب أولوياتها، لأن استقرار الأسر الكويتية هو استقرار الوطن بأسره.