إيران رفضت تسمية «الخليج العربي» واعتبرتها وهمية، على عكس تسميته الخليج الفارسي كما جاء على لسان وزير خارجيتها.

المغزى هنا في البعد السياسي قائم على عدم تقبلهم وانزعاجهم من أي اندماج أو تقارب يتم بين العراق كشعب عربي أو كنظام مع محيطهم الخليجي والعربي! فالموقف الإيراني ليس وليد اليوم بل هو مصاحب لتاريخ بلاد فارس منذ قيامها والغزوات المتلاحقة وتوسعاتهم في المنطقة وجوارها، خصوصاً مع بلاد العرب.

Ad

لنبدأ بالتسمية أولاً، وكما عالجها الباحث الجاد يعقوب يوسف الإبراهيم في الكتيب الذي حمل عنوان «تسمية الخليج، قراءة في الأصول»، والصادر عن «القبس» فهي بالأصل يونانية أسموها «برسيس» أي بلاد «بارس» وحمل الخليج هذه التسمية ثم جاء نياركوس قائد الأسطول البحري في رحلته التاريخية واكتشاف البحر الإرتيري، وأطلق عليه اسم «بحر فارس» نحو عام 324 ق. م، وهذه الحال لم تمنع المؤرخ الروماني «بليني» الذي زار المنطقة بأن يسميها «الخليج العربي» (79– 23 ق.م).

التسمية لم تعني شيئاً للطرفين آنذاك من سكانه، فالبحر بالنسبة إلى العرب لم يعطوه اسماً معيناً وأبقوه «بحراً» لأنه الوحيد في جهاتهم ولا يحتاج إلى تعريف، والمعروف لا يعرف.

نأتي إلى حكم رضا شاه أو «رضا خان» الذي ألغى اسم فارس وأبدل به إيران، ففي عام 1935، وكان إقليم فارس صغيراً، منعزلا تفصله عن سواحل الخليج سلسلة جبال زاغروس فجاء اسم إيران ليضم كل الأقاليم الأخرى.

أعقب ذلك مرحلة محمد رضا بهلوي بعد رجوعه من المنفى عام 1953، والقضاء على حركة د. محمد مصدق والتي ابتدأت فيها ومن جديد المطالبة بالإشراف على حركة الملاحة من شط العرب مناصفة والخلاف مع العراق بأن يكون شط العرب عربيا، وأن يكون «الخليج العربي»، علماً أنه كان يظهر في الخرائط العثمانية في منتصف القرن السادس عشر باسم «خليج البصرة» وأحياناً «خليج القطيف».

وقبل هيمنة السلطنة العثمانية وسيطرتها على أجزاء واسعة من الإقليم العربي يستعرض خبير الآثار العراقي، عامر عبدالرزاق وجهة نظره رداً على إيران واعتراضها على تسمية «بطولة كأس الخليج العربي 25»، وأن هذا الخليج هو سومري الأصل قبل أكثر من 4 آلاف سنة، وشهد أول رحلة بحرية مدونة في التاريخ قادها «جلجامش» إلى ميناء البصرة ثم إلى جزيرة دلمون للقاء بطل الطوفان السومري، ويدعى «أوتوبنشتا»، وقد أطلق السومريون عدة تسميات على هذا الخليج ومنها «البحر المر، بحر شروق الشمس، البحر السفلي» ولاحقاً سمي خليج البصرة، ثم خليج عمان، وخليج القطيف، إلى أن انتهى به الأمر ب«الخليج العربي».

أمامنا واقع صعب، نتعامل مع دولة قومية تقوم على تعظيم الماضي وقت كانت إمبراطورية تحكم أجزاء واسعة من المعمورة، وتعتمد في تفكيرها على الانتماء إلى العرق الآري منذ حكم الأسرة القاجارية، وبالرغم من أن الدستور الذي تعمل بموجبه إسلاميا فإنها تستند إلى «مجد فارس» وطموحها الإمبراطوري، فعيد «النيروز» على سبيل المثال يفوق بالاهتمام عيدي «الفطر والأضحى الإسلاميين» في عموم أقاليم إيران تقريباً! والمفكرة الإيرانية ما زالت تمنع أي كتاب أو خريطة تحوي كلمة «الخليج العربي» وتمنع الاشتراك في أي مباريات أو مهرجانات تحمل المسمى نفسه!

الأسئلة التي تطرح نفسها: لماذا الإصرار والتمترس كما يكتب الباحث يعقوب الإبراهيم باسم فارس وخليجها وهو اسم أطلقه اليونانيون أصلاً؟ فهل ثار العرب على مسمى «خوزستان» وهي عربستان، أي بلاد العرب؟ وهل منعت فرنسا جارتها بريطانيا من استعمال مسمى «القنال الإنكليزي» في حين تسميه هي «المانش»؟ ولماذا لم تسم إيران الخليج باسم «الخليج الإسلامي» كما اقترح ذلك مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ ولماذا لم يخرج صوت واحد يعترض عندما قام الشاه رضا خان بتغيير اسم فارس إلى إيران؟

إذاً هل يكون الخليج بموقعه الجغرافي، ذو الضفتين المتجاورتين، بحراً للتعايش وتبادل المصالح، وسبيلاً إلى الاستقرار، أم رافعة تستخدم لإثارة العنصرية والعداء والتباعد والهيمنة بين الشعوب والأنظمة الموجودة هنا منذ آلاف السنين؟