شهدت التعديلات التشريعية على قانون إجراءات الطعن بالتمييز للطعون الجزائية في عام 2017 تطوراً، في حينها، يُعد مهماً على نطاق العدالة الجزائية، ومن بينها ما يخص وجوب إخطار الطعون التي تقيمها النيابة العامة في الطعون الجزائية إلى المطعون ضدهم من أطراف الخصومة، ومن بينهم المتهمون، على أن يقوم المطعون ضدهم بالرد على الطعون المُقامة من النيابة العامة خلال خمسة عشر يوماً.
كما نصَّت التعديلات، في حينها، على أن تنجز النيابة العامة الطعون خلال ستين يوماً من عرض تلك الملفات عليها، سواء من الطعون المُقامة من المتهمين المحكوم بحقهم، أو حتى من قِبل النيابة العامة.
ورغم نفاذ ذلك التشريع منذ ثماني سنوات تقريباً، فإن الواقع العملي يشهد اليوم عدم نفاذ هذه التعديلات على أرض الواقع، إذ إن إدارة كتاب محكمة التمييز، ورغم وضوح حُكم القانون، لا تقوم بإخطار أي طعون مقامة من النيابة العامة إلى أطراف النزاع الجزائي ووجوب إخطارهم وتمكينهم من الرد على مذكرات الطعن من النيابة، بل يكشف الواقع العملي أمراً مُغايراً، ويمنع أطراف النزاع من الاطلاع أو الحصول على مذكرات النيابة العامة بالطعن إلا بعد حصول موافقة من رؤساء الدوائر، وفق ما ينقل ذلك عدداً من العاملين، وهو أمر يتعارض مع صحيح القانون.
ذات المشهد يتكرَّر اليوم على صعيد التعديلات التشريعية الأخيرة، والتي تُوجب عرض الطعون على المحكمة، وأن يتم إصدار مذكرات نيابة التمييز خلال ستين يوماً، ولم يكتب لهذه التعديلات الصادرة قبل أشهر بسيطة النفاذ، وكأنها تعديلات أقرب إلى أن تكون بمنزلة الحبر على الورق، فلم تقم إدارة الكتاب بالعمل على نفاذ أحكام القانون، ولا حتى تقوم نيابة التمييز بإنجاز المذكرات في المواعيد، لأن الواقع يكشف اليوم تراكماً كبيراً في عدد الطعون السابقة، والتي يعود بعضها إلى أكثر من 15 عاماً أو أكثر، بسبب عدم مواجهة تلك الطعون في حينها، أو تنظيم أمرها، وهو ما يتوجب معه العمل على إيجاد الحلول العملية للتعامل مع تلك الطعون بما لا يخل بحق التقاضي، الذي كفله القانون، ومن قبله الدستور، للمتقاضين والمتنازعين أمام المحاكم.
صدور التعديلات التشريعية يأتي تفعيلاً لمتطلبات الواقع العملي الذي تشهده المحاكم، وتصدياً للحالات المعروضة أمامها. وأما وأن كل تعديل يصدر ولا يرى نور التطبيق على النحو الذي ابتغاه المشرِّع، فإن ذلك يوصم التشريع بعيب عدم القدرة على التنفيذ.
الأمر الآخر، أن الواقع العملي يكشف إنجاز نيابة التمييز للعشرات، بل المئات، من الطعون أمام محكمة التمييز، لكن بعض دوائر تلك المحكمة لم تقم بتحديد جلسات لها حتى الآن، رغم وجود مذكرات نيابة التمييز منذ أكثر من سنتين، وهي مشكلة يتوجب على إدارة المحكمة النظر إليها، لما تعود بالتأخير في مسألة الفصل بالطعون أمام محكمة التمييز لطعون بالأساس مودعة منذ سنوات في المحكمة!