لو كنت قد زرت إيران قبل عدة أشهر وعدت إليها اليوم، فربما لن تتوقع أن ترى نساءً إيرانيات يمشين في الشوارع بلا حجاب أو يقدن الدراجات النارية، في وقت تنتشر مقاهٍ ومطاعم تستضيف حفلات رقص وبعضها يقدم مشروبات كحولية وإنْ بشكل غير معلن... فما الذي تغيّر؟
يرى كثيرون أن هذه الموجة من التحرر تعكس عزيمة المرأة الإيرانية وإصرارها على فرض إرادتها في مجتمع يهيمن عليه الرجال المتشددون، خصوصاً بعد أن تحوّلت قضية مهسا أميني عام 2022 إلى أكبر حركة احتجاجية تشهدها إيران منذ وصول الإسلاميين إلى الحكم عام 1979، في حين يعتبر آخرون أن ما يجري هو شكل من أشكال الصراع المدني مع السلطة الدينية، التي تسعى إلى كبح المجتمع عبر فرض القوانين الدينية، وإبقاء الناس منشغلين بالقضايا الاجتماعية بدلاً من شؤون الحكم والسياسة.
لم تكن قضية الحجاب جديدة على إيران، فقد كانت من أكثر القضايا جدلاً لأكثر من قرنين. ففي ثمانينيات القرن التاسع عشر، فرضت السلطات على الإيرانيات ارتداء ما يُعرف بـ «التشادور». ويقول المؤرخون إن الشاه ناصر الدين شاه القاجاري، خلال زيارته لباريس، تأثر برؤية نساء يهوديات يرتدين الحجاب الأسود، وقرر تطبيق ذلك في إيران. وقد أثير جدل واسع حول هذا القرار، حتى قيام رضا شاه بهلوي بإلغائه في 1936 دون منع ارتداء التشادور، في وقت شجع نجله محمد رضا بهلوي النساء على ارتداء الملابس الغربية، مما أثار احتجاجات المحافظين، وجعل الحجاب رمزاً للمعارضة الاجتماعية.
بعد الثورة، لم تفرض الحكومة الإسلامية الحجاب الإلزامي، لكن الجدل حول الالتزام بالقيم الإسلامية كان واسعاً. رفض الخميني إصدار فتوى أو قانون، ربما خشية أن يتحول الموضوع إلى أداة لمعارضة اجتماعية. في تلك المرحلة، كان التيار اليساري في الثورة الذي أصبح لاحقاً يُعرف بالإصلاحيين يدعم الحجاب كرمز للتخلي عن الرموز الغربية وإعادة تشكيل الهوية الوطنية، بينما الأصوليون لم يكن لديهم موقف موحد بعد. ومع مرور السنوات، خصوصاً بعد منتصف الثمانينيات وحرب إيران – العراق، انقلبت الصورة، وبدأ الإصلاحيون يلينون تدريجياً، في حين تصاعدت مطالب الأصوليين بتطبيق الحجاب الإلزامي.
ومع وصول الأصولي إبراهيم رئيسي، أُعيدت شرطة الآداب لتضييق الخناق على النساء ورُفعت ميزانيتها بشكل هائل، لكن الأمور انفجرت بعد مقتل مهسا أميني أثناء توقيفها، مما أدى إلى احتجاجات واسعة كادت تهز النظام. رداً على ذلك، أصدر خامنئي قراراً بإلغاء شرطة الآداب ودوريات الإرشاد التي كانت تفرض الحجاب الإلزامي بشكل غير معلن، واختفت الرقابة الرسمية على الشارع، وبدأت النساء تدريجياً الخروج دون حجاب، مع تحدي قيود أخرى مثل ركوب الدراجات.
وفي 2023، طرح رئيسي مشروع قانون متشدد بعنوان «دعم الأسرة من خلال تعزيز ثقافة العفة والحجاب»، يفرض قيوداً صارمة على ملابس النساء، بما في ذلك عقوبات تصل إلى السجن وغرامات مالية وحظر السفر، ويشمل المؤسسات غير الملتزمة.
لكن رئيسي توفي في حادث طائرة غامض قبل تطبيق القانون، ومع تولي مسعود بزشكيان السلطة، طالب البرلمان الموالي للأصوليين بتنفيذ قانون «الحجاب والعفاف»، إلا أن بزشكيان أبدى تحفظه عنه، مشيراً إلى مخاوف من تأثيره على المجتمع. وفي ديسمبر 2024، أعلن مجلس الأمن القومي تعليق تنفيذ القانون بسبب «تبعاته الاجتماعية»، وهو ما رحب به بزشكيان. وفي يناير 2025، دعا نائب رئيس اللجنة القانونية والقضائية في البرلمان، محمد تقي نقد علي، الحكومة إلى تنفيذه، إلا أن المتحدث باسم الحكومة أكد أن التأجيل جاء بسبب «بعض البنود التي قد تترتب عليها تبعات اجتماعية خطيرة».
عملياً، لم يعد هناك قانون يفرض الحجاب الإلزامي في إيران، مما يعني أن أي اعتقال أو تضييق على النساء سيكون خارج إطار القانون، مع إمكانية مساءلة ضباط الشرطة قضائياً.
بعد حرب الـ 12 يوماً مع إسرائيل، التي كشفت هشاشة النظام أمنياً وعسكرياً، خلصت القيادة الإيرانية إلى أن الإيرانيين لم يشاركوا في تظاهرات خلال العدوان، بل صمدوا وتوحدوا ضده، مما منع انهيار النظام في لحظة ضعفه. هذا الاستنتاج عزز مؤشرات التسامح الرسمي تجاه مظاهر التحرر الاجتماعي.
وإلى جانب انتشار ظاهرة خلع الحجاب، ظهرت أخيراً حفلات وسهرات مختلطة للشباب، في حين بدأت بعض المطاعم والمقاهي تقديم مشروبات كحولية بشكل غير معلن، مع دفع رشاوى لمسؤولين أمنيين، والتنسيق المستمر مع الأجهزة الأمنية لضمان السيطرة وتجنب أي صدامات.