في خطوةٍ طال انتظارها، أطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية تحقيقات موسَّعة تشمل أكثر من 20 جمعية تعاونية، أي ما يُقارب ثلث عدد التعاونيات في الكويت، بعد ورود شكاوى وشبهات تجاوزات ومخالفات جسيمة.
هذا التحرُّك لا يُعد مجرَّد مراجعة دورية، بل هو إعلان عن خللٍ عميق طال مؤسسة تُعد صمام أمان للأمن الغذائي والاقتصاد الاجتماعي في البلاد.
تكمن جذور الأزمة في ضعف الحوكمة والرقابة، حيث تحوَّلت بعض مجالس الإدارات من خدمة المساهمين إلى خدمة مصالح خاصة، مما أدى إلى هدرٍ مالي وتراجع في جودة الخدمات.
الرقابة التقليدية، التي اعتمدت على التدقيق السنوي والمراقبة «البعدية»، أثبتت قصورها، إذ لم تمنع وقوع المخالفات، بل اكتفت برصدها بعد تفاقمها. كما أن السياسات الشرائية غير السليمة رفعت تكاليف السلع، وأثَّرت سلباً على قُدرة الجمعيات على تقديم أسعار تعاونية للمستهلكين، مما هدَّد استمراريتها وملاءتها المالية.
في مواجهة هذا الواقع، تطرح الوزارة خطة للتحوُّل الرقمي تشمل الربط المالي والإداري، والجرد الإلكتروني، وتفعيل الذكاء الاصطناعي. هذه الأدوات ستسمح برقابة لحظية تمنع المخالفات قبل وقوعها، وتوفر تحليلاً موضوعياً لأداء الجمعيات، وتكشف أنماط الشراء غير السليمة فور حدوثها، مما يشكِّل نظام إنذار مبكِّر فعَّال لحماية المال العام.
ولضمان استدامة الإصلاح، لا بد من إجراءات قانونية حازمة تشمل عزل المجالس المخالفة ومساءلتها مالياً، إلى جانب إنشاء فرق تحقيق مستقلة داخل الوزارة. كما يُنصح بتحديد مؤشرات أداء موحدة، ونشر العقود الكبرى إلكترونياً، لتعزيز الرقابة المجتمعية. أما المساهمون، فهم خط الدفاع الأول، ويجب تمكينهم عبر حملات توعية، وتدريب أعضاء المجالس على مبادئ الحوكمة والنزاهة واستخدام الأنظمة الذكية.
إن ما يحدث اليوم ليس مجرَّد تصحيح مسار، بل فرصة لإعادة تعريف دور الجمعيات التعاونية كقوة اقتصادية واجتماعية، عبر الانتقال من الرقابة الورقية المتأخرة إلى الحوكمة الرقمية الذكية، حمايةً لأموال المساهمين واستقرار الأمن الغذائي في الكويت.