الذكاء الاصطناعي يمثل سلاحاً ذا حدين في ميدان حقوق الإنسان، فرغم أنه يُتيح إمكانات كبيرة لتحقيق التنمية المستدامة، لكنه يحمل في طياته مخاطر جسيمة على مستوى الخصوصية، وحماية البيانات، والعدالة الاجتماعية، في حالات سوء الاستخدام، وغياب المسؤولية الأخلاقية، وإهمال الأطر القانونية.

ويحمل الذكاء الاصطناعي جوانب إيجابية في ضوء المبادئ الحقوقية، حيث إن تقنياته تُسهم في مكافحة الجوع، وتحقيق التنمية المستدامة، وتوسيع نطاق الرعاية الاجتماعية والنفسية.

Ad

فعلى سبيل الحق في الصحة، نراه يؤثر إيجاباً عن طريق نشر الرسائل التوعوية، وإدارة الأنظمة التي تُسهم في تحسين جودة الرعاية الصحية، وتسهيل نطاق الوصول إليها. كذلك يُسهم بفاعلية على نطاق تحليل البيانات الطبية وتطوير المواد الدوائية.

أما على مستوى التعليم، فله تأثير قوي إذا ما استخدم للأشخاص ذوي الإعاقة، من خلال إتاحة الوصول إلى الموارد التعليمية عن طريق التعرُّف الصوتي والترجمة الفورية بلغة الإشارة. كما يمكِّن المتعلمين من سهولة الوصول إلى المعلومة، وقابلية تحليلها، وفك شفراتها، ودعم البحوث العلمية، إضافة إلى تصميم المناهج المتخصصة بما يتناسب مع الأهداف والاحتياجات.

إلا أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تتحوَّل إلى أداة للسيطرة والتزييف والابتزاز، إذا ما استُخدمت خارج أطر الحوكمة الأخلاقية والحقوقية. فقد تولِّد تهديدات ملموسة لحقوق الإنسان، من بينها: المراقبة وانتهاك الخصوصية عن طريق جمع البيانات وتحليلها، وهو ما يؤدي إلى مراقبة واسعة النطاق تمس الحياة الخاصة للأفراد، وهذا يتعارض مع الحق في الخصوصية الذي نصَّت عليه المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. علاوة على ذلك، إذا بُنيت الخوارزميات على بيانات متحيزة، فقد تنتج قرارات تمييزية في التوظيف، والقروض، والعدالة الجنائية.

أما على صعيد العمل، فإن الاعتماد على الأتمتة قد يؤدي إلى فُقدان فُرص وظيفية، والاستغناء عن السواعد البشرية، وهذا من شأنه أن يهدِّد حق الفرد في العمل.

ونظراً لهذا التطوُّر المُتسارع الذي يشهده العالم في مجال الذكاء الاصطناعي، أصبح لِزاماً وضع إطارٍ حقوقي يحكم حق كل فرد فيما يتعلق بالخصوصية، وأمن البيانات، وغيرها من الحقوق، مع ضمان الوصول العادل إلى موارد الذكاء الاصطناعي، ومنع الفجوة الرقمية، وتطبيق سياساته المرتكزة على حقوق الإنسان.

ختاماً، إن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرَّد ابتكار تقني يُستخدم لتحسين الخدمات أو رفع الكفاءة، بل أصبح قوة محرِّكة تُعيد تشكيل ملامح الحياة، وتؤثر في قرارات تمسّ جوهر الكرامة الإنسانية. وهنا نستطيع القول إن نقطة البداية في تحقيق الاستخدام الآمن لهذه التكنولوجيا، هي وجود تشريعات وطنية تُنظم استخداماتها، بما يتلاءم مع منظومة القِيم الخاصة في كل دولة، وأولوياتها التنموية، ومتطلبات أمنها، وتقع على عاتق الدول، والمؤسسات، والشركات، والمجتمع المدني مسؤولية ضمان أن تكون هذه التكنولوجيا في خدمة الإنسان لا على حساب ضياع حقوقه. فيجب الاعتراف بالحاجة إلى وضع إطار قانوني دولي ووطني يضمن أن تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي يتم بما يتفق مع مبادئ حقوق الإنسان، مع ضرورة أخذ موضوع المساءلة بعين الاعتبار في حال حدوث انتهاكات ناتجة عن استخدامه.

*مترجمة وكاتبة وفنانة تشكيلية