بعد المقدمات وصفصفة الكلمات المنمقة، مثل تأكيد حرص الوزارة (أو الحكومة) على التنمية وتطوير وتنظيم الإجراءات المتبعة، وكلام مثل «لا نألو جهداً... ولن ندخر وسعاً... في سبيل راحة المواطن وخدمته... إلخ وإلخ، قررت وزارة التربية قبل فترة غلق أبواب تعليم الكبار ومحو الأمية، وقالت إن هذا لفترة مؤقتة، ويأتي ضمن خطة الإصلاح التعليمي، ويحقق وفراً مالياً (أربعة ملايين دينار سنوياً...) ويا للهول على ضخامة مبلغ التوفير لمحو الأمية والجهل الذي ما تشيله البعارين في المجتمع! الوزارة قالت إن القرار يهدف إلى إعادة تنظيم خطة تطوير التعليم... إلا أنه حتى هذه اللحظة مازالت مراكز تعليم الكبار مغلقة، والدارسون في تلك المراكز لا يعرفون إلى متى ستظل هذه المراكز منسية.
عدد من العاملين في تلك المراكز اشتكوا من ذلك القرار، وقالوا في شكواهم إنه إذا كانت حجة الوزارة إغلاق باب المحسوبيات في تلك المراكز، كان يمكن فعل ذلك دون تعطيل عملها، الذي يدفع الثمن الآن هم الكبار الذين تتم التضحية بتعليمهم من أجل توفير مبلغ أربعة ملايين دينار، وهل توفير مثل هذا المبلغ الضئيل سيخفف من باب النفقات ويزيد الإيرادات في ميزانية الدولة المثقوبة تاريخياً من آفة اقتصاد الريع من بداية نعمة النفط حين انقلب إلى لعنة لسوء الإدارة وغياب التخطيط؟
بالنسبة لتطوير التعليم، فلا نعلم ما هو النهج الذي سلكته الوزارة، لا ندري من هم المشرفون على برامج التطوير، ما هي اختصاصاتهم وخبراتهم ومؤهلاتهم، هل هي مؤسسات ذات تاريخ عريق في تطوير التعليم كما حدث في دول مثل اليابان مع حركة ميجي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أو سنغافورة والمعجزة الصينية بالقرن الماضي، كلها قلبت أسس التعليم وقفزت أشواطاً في العلوم والتقنيات والثقافة، أم سوف تترك المسألة لقانون دهنا في مكبتنا...؟
هل ستنتقل الحالة التعليمية من دور الكتاتيب والتلقين والتحفيظ بمحتوى «مع حمد قلم... وأغسل يدي قبل الأكل وبعده»، لنجد أنفسنا غداً بعد التطوير المطلوب مع خريجين وخريجات يفهمون أبسط مبادئ الفكر النقدي وأسس الجدل، أم ستدعون الأمور تسير كالعادة على البركة حالها من حال بقية المؤسسات في الدولة...؟ هل القائمون اليوم على التدريس يملكون الكفاءة والقدرة على تدريس المناهج الجديدة – بفرض أنها جديدة في أسسها - أم أن ما تم هو اصطناع صور لا تمثل الحقيقة وهي «مديكور»، ثقافة تتوهم أن الحضارة والتقدم الإنسانيين يكونان في شارع عريض وعمارات عالية وبشر تعلف في المطاعم وتدور في سواقي المولات يتفرجون على كبار الشخصيات ببشوتهم الزاهية يملأون صفحات الجرائد، وفي المساء يتسمرون حول التلفزيونات كي يتابعوا مسلسلات الخواء في قنوات الجهل المعلب... أسئلة للوزير وللحكومة...